في اليوم العالمي للمرأة أنهض من نومي مثقلة بأخبار البلد التي تهبّ علينا من كلّ النوافذ المفتوحة لتحمل رائحة خبايا الأرض المنهوبة وطعم الحقيقة المرّة " للاحتلال " المتواصل المغلّف بأقنعة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ويجتاحك السؤال: كيف يمكن أن تتحرّر امرأة وطنها منهوب؟ وكيف تتساوى مع رجل ليس حرّا بدوره؟
وأنا أتّجه إلى عملي فكّرت في حمل الخبز والورد على طريقة العاملات الأمريكيات اللاتي حملن في سنة 1856 الخبز والورد تعبيرا رمزيّا على احتجاجهنّ على ظروف العمل. سيكون جيّدا أن نكشف للمتعلّمين الشّعار الذّي رفع في اليوم العالمي للمرأة وهو شعار الخبز والورد.
شعار أجد فيه شعريّة كبرى. فالخبز يرمز إلى حقّ العمل والمساواة فيه أمّا الورد فيرمز إلى الحبّ والتعاطف. إنّها المرأة التي تبتكر شعاراتها الجميلة حتّى وهي تغضب وتثور. لكنّي عدلت عن فكرة الخبز التي ستكون غريبة ومضحكة رغم تحوّل الخبز تاريخيا في المخيال الجماعي لدينا إلى عنصر مرمّز متوهّج مكثّف الدّلالة.
كنت أودّ أن أحتجّ على ظروف العمل فبعد عقود من ادّعاءات المراهنة على التعليم نجد أنفسنا نشتغل وسط فضاءات وظروف لا تليق ونسعى رغم ذلك إلى إنبات الورد وسط الخراب. وتلحّ عليك آنذاك فكرة المساواة القائمة.
إنّها ليست المساواة في الحقوق. بل المساواة في الظّروف غير اللائقة للعمل. فأنت وزميلك تشتركان في المحنة التي تصبح واحدة فيذوب الفصل ليصبح حديثا عن واحد: امراة ورجل في مواجهة التداعي العام والهدر العام الذي يشعرك بالاغتراب وبفقدان الكرامة.
تأتيك الحقيقة الموجعة من النافذة المكسّرة: لا حريّة ولا كرامة داخل وطن منهوب. للمرأة وللرجل.
وتهبّ عليك الحقيقة المعلنة: الوطن منهوب إلى حدّ الوجع وأنّ المرأة وحرياتها ومنظّماتها وجمعياتها كانت منذ الزمن البورقيبي إلى زمن بن علي واجهة جميلة تعرض للسائح الأجنبي وتخفي وراءها صرخات الاستباحة، وأنّه رغم كلّ التجميل لا يمكن إخفاء الصورة الرمادية للمرأة وللوطن. وهل يمكن فصل المرأة عن الوطن؟
فاستغلال المرأة وانتشار الأمية في صفوفها وافتقادها إلى الحدّ الأدنى للعيش وتعرضها للعنف والاعتداء عليها وتوظيفها في المعارك السياسية والإيديولوجية ليس سوى امتداد لما يحدث للوطن من نهب واعتداء وعداوة.
وما محاولة فرض النخب لمطلب المساواة التامة في الإرث على الإرادة الشعبية ودون العودة إليها لاستشارتها سوى امتداد لخيارات أخرى مفروضة اقتصادية واجتماعية وثقافية، لم نستطع رغم تعاقب الحكومات التخفيف منها.
في عيد المرأة لم أستطع حمل لا الورد ولا الخبز للمطالبة بالحقّ في ظروف ملائمة للعمل. ولن أحمل الورد والخبز للمطالبة بالمساواة في الميراث إلّا بعد القيام باستفتاء يحترم الإرادة العامة ولا يستعمل القوة والتعبئة العامة والتجييش الإعلامي التي تلجأ إليها نخب تدعي التقدّم على الوعي العام وتقديم دروس في المساواة له.
يشهد التاريخ على ما أنتجته الحداثة القسريّة من فصام وتشظّ وتشتّت.
سأحمل الخبز والورد للمطالبة بإلغاء الاتفاقيات القديمة حول خبايا الأرض من نفط وملح وماء وفسفاط وغيرها.
تحرير المرأة يبدأ من هنا. وتحرير الرجل أيضا.
والمساواة الحقيقية هنا: في ورد الكرامة وخبز الحقيقة الذي يجب أن يتقاسمه الجميع ويتشاركوا فيه كي لا تتيه ثانية. وما أعسر تيه الحقيقة والكرامة.