أنجزت منذ أيّام حصّة مطالعة سمعيّة بصريّة لتلامذتي حول الشّعر العربي القديم والحديث. كنت أودّ أن أجعل الشّعر العربي وخاصّة الشّعر الجاهلي الذّي يبدو لهم وكأنّما خطّ بالصّينيّة وهم الذّين ألفوا اللّغة الفايسبوكيّة قريبا منهم ومن وجدانهم.
استمعنا إلى قصائد ملقاة لعنترة وعمرو بن كلثوم والخنساء والنّابغة الذّبياني وطرفة بن العبد بأصوات جهوريّة في فيديوهات تتضمّن مشاهد مصوّرة وقصائد مكتوبة بخطّ عربيّ جميل. وشعرت بتفاعل التّلاميذ الجميل مع ما يسمعون ولكنّ تفاعلهم صار بهجة وانتشاء حين استمعوا إلى قصيدة: رمت الفؤاد مليحة عذراء ** بسهام لحظ مالهنّ دواء لعنترة مغنّاة بصوت هيام يونس وصاروا يردّدون معها القصيدة وهم ينقرون على الطّاولة أمامهم وقد أخذهم الإيقاع وجمال المغنية ذات العينين السّاحرتين والابتسامة الملائكيّة وبين الفينة والأخرى يرتفع سؤال:
ـ سيّدتي ما معنى لحظ؟
ـ هي النظرة سارّة.. نظرتها قاتلة كأنّما هي السّهام.
ـ ماحلاها.. كبما عينيها.
أضحك وأنا أسمع التّعاليق وسعدت بتفاعل التّلاميذ فسألتهم: هل تعرفون هيام يونس؟ إنّها تغنّي قصائد عربيّة كثيرة..
أجابوني: لا لا نعرفها ولم نسمعها من قبل..
ـ إذا ماذا تسمعون؟
كانت إجاباتهم متنوّعة: أغاني غربيّة.. راب تونسي..
ولكن ارتفع صوت يقول وقد استغرق في الضّحك: أنا أسمع زازا !!!
ـ من؟
ـ زازا.. زازا سيّدتي.. ألا تعرفين زازا؟
ـ لا أعرفها.. أنرني من فضلك…
ـ هههه شاهديها بنفسك !
عدت إلى البيت.. فتحت الحاسوب.. أسرعت إلى اليوتيوب وكتبت: زازا .
ورأيت.. وسمعت اللّغة .. ورفع عنّي الجهل !!!
عدت للتّلاميذ وقلت لهم: عرفتها.. عرفت زازا…
كانوا يضحكون كعصافير صغيرة بريئة غير عابئة بما يحاك لهم في هذا الزّمن الزازاوي
أجل.. هو الزّمن الزّازوي الكافوني تغتال فيه العقول والأرواح ويطلق الرّصاص على العلماء والمخترعين والمبدعين الحقيقين..
وتمجّد زازا وكافون..
كم علينا أن نقاوم لنخرج بعض الورد من وحل الواقع؟