ترامب الذّي عرّانا

Photo

هل يجب أن نقول لترامب على سبيل العبث والسّخرية السّوداء: شكرا لك. تماما كما شكر نزار قباني قتلة بلقيس في قصيدته؟

وهل صار بإمكان ترامب الآن أن يشرب على نخب المدينة. تماما كما فعل قتلة بلقيس. في القصيدة؟

هناك مدينة اغتيلت.

وهل هناك أمّة في الأرض ـ إلّا نحن ـ تغتال المدينة؟

أحيانا يصبح شكر القاتل الدّرجة القصوى للتّعبير الألم. وقد بلغناها. وعن بلوغ الهاوية وقد بلغناها.

ربّما كنّا نحتاج قرار ترامب ليجتاحنا الزّلزال ثانية، لتشتعل الحرائق فينا بعد أن أخمدها أعداء الحريّة وأعداء الحقّ. ربّما كنّا نحتاج قرار ترامب لنرى عراءنا كاملا دون أقنعة تزييف ودون وهم ودون حجب واهية ودون إنشائيات منتشية بذاتها.

ها نحن الآن أمام التّاريخ عراة من كلّ حلل الكرامة بعد أن مزّقت أرديتنا في خضمّ معاركنا الطّائفيّة والعشائريّة ومعارك الهويّة المفتعلة والحداثة التي لا تستنبت والظّلاميّة التي لا تنقشع وفي خضمّ العقل الذّي لا يفكّر والأمّة التي لا تقرأ ولا تنتج ولا تفعل.

هل كنّا حقّا نعتقد أنّنا بوهن أنظمتنا المذعنة لأوامر المسؤول الكبير سنحتفظ بالقدس؟ وهل كنّا نعتقد فعلا أنناّ بأنظمة فاسدة ومصرّة على فسادها سنحتفظ بالقدس؟ وهل كنّا نعتقد أنّنا بنخبة سجينة لأفكار وشعارات قديمة ومازالت تختزن أحقادها إزاء المختلف عنها يمكن أن نحتفظ بالقدس؟ وهل حقّا كنّا نعتقد أنّنا بوهننا الفكري والعلميّ والتّكنولوجي سنحتفظ بالقدس وبغيرها من المدن التي تساقطت قبلها وستسقط بعدها؟

هل كنّا نعتقد ونحن غارقون في الدّم والدّمار ذلك فعلا؟

وهل كنّا نعتقد فعلا أنّ القدس كانت لنا وهي التي لا تكاد توجد في كتاب مدرسيّ رسميّ في برامجنا التّعليميّة؟ وكأنّما كنّا نخشى أن نقول أنّها لنا.. لعلّنا نغضب أحدا ما.. فيسقط علينا غضب السّماء.

وفي الأدب؟؟

لعلّنا نحتاج قراءة الأدبيّات الصّهيونيّة لندرك حجم الأسطورة الكاذبة التي صاغها كتّاب الكيان الصّهيوني للترويج لدولة اسرائيل وعاصمتها القدس ولتشويه صورة العربي وصناعة الكراهية نحوه ويبدو أنّ هذه الأدبيّات التي تجد صداها في السّينما والبرامج التلفزيّة وحتّى كتب الأطفال كان لها تأثير في الوجدان العربي الذي صار يستبطن أشكالا من الاحتقار لنفسه وشعورا بالعجز وهو يعاين تقدّم دولة العدوّ وتطوّرها في جميع المجالات مقابل واقع عربي مريع يفتتن بالقتل والذّبح اليومي. منذ عقود أو هي قرون.

قراءة هذه الأدبيّات التي رسّخت أسطورة أرض الميعاد في المخيال وحوّلتها إلى حقيقة تجعلنا نسأل عن المشروع الفكري والحضاري الذي يحمله الأدب العربي؟ إذا استثنينا أدب المقاومة.

أيّ مشروع يحمله الأدب العربي؟ وأيّ إنسان؟ وأيّ مشروع يحمله التّعليم؟ وأيّ إنسان؟

كان يجب أن يكون القرار صادما ومتعجرفا ومهينا كي نطرح أسئلة لعلّها تحتاج اليوم إلى أجوبة غير تقليديّة لا تعيدنا إلى النّقطة الصّفر ولا إلى خيارات سابقة بل تتكفّل بصنع الوقائع وصياغة التصوّرات والمشاريع القادرة على امتلاك اللحظة التاريخيّة المنفلتة أبدا منّا.

لعلّنا كنّا نحتاج هذه الرجّة كي نستيقظ على عنف العنجهيّة الأمريكيّة الصّهيونيّة وعلى دويّ الرّأسماليّة العالميّة التي تزداد توحّشا كلّما ازددنا وهنا وتزداد توغّلا في تفتيتنا وتحويلنا إلى كيانات مجزّأة ضعيفة وخانعة أمام غفوتنا الفكريّة والحضاريّة ونكوصنا إلى الوراء بعد هبّة أجرت الدّم في العروق سرعان ما حوّلوها إلى برك دماء لمنع تحوّلها إلى حقل رخاء.

ترامب لم يفعل شيئا سوى أن كشف حقيقتنا عارية. لقد وجد صبية عابثين بالملك وبالأرض يلحّون على اسرائيل وأمريكا كي تساعدهم عسكريّا وسياسيّا كما صرّح أحد المسؤولين الإسرائيليين ويغدقون المال في سبيل الودّ الأمريكي ومن أجل البقاء ملوكا على ما تبقّى من خراب الخارطة العربيّة. وهم في سبيل ذلك ملوك أكثر من الملك إذ يعملون على أن يصير التطبيع أمرا واقعا ويدفعون ترامب إلى تحقيقة مشكّلين بذلك محورا داعما له.

هؤلاء الصّبية العابثين وآباؤهم كان لهم الدّور الأكبر في تحويل وجهات الثّورات العربيّة وتشويهها وتحويلها إلى فوضى ومحاولة وأدها وهم يواصلون الآن بقيّة الدّور.

لقد أزاح ترامب الحجر الأخيرفقط لنرى القاع العربي الحالي.

لعلّها الخطوة الأخيرة قبل البناء العربي الجديد. ألا تكون؟

ربّما.. مع الجيل السّابع أو الثّامن. ذاك الذي نقلنا إليه حلمنا بأن نطير إلى القدس لنشمّ عبق الأزمنة القديمة ورائحة الأنبياء العابرين وروح الروحانيات وشذى الثّقافات التي مرّت من هناك.

ويا له من حلم..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات