صار ينتابني شعور بغربتي عن السينما رغم أني انتميت زمنا إلى نوادي السينما وكنت مع أصدقاء في هذه النوادي نقوم بجلب الفلم ( كان هذا يتطلّب تنقّلا إلى المقر المركزي لنوادي السينما بالعاصمة قبل الزمن الرقمي) بعد الاتّفاق على العنوان ودراسته دراسة عميقة ثمّ إعداد ورقة تقنية لتأطير النقاش الذي تخصّص له ساعات.
في فترات كثيرة كان الجمهور غفيرا والنقاشات عميقة وحادة أحيانا فالأشرطة المعروضة تنتمي إلى الواقعيّة و الواقعيّة الاشتراكيّة و الواقعية الجديدة والتعبيرية الألمانية والسينما الثالثة وغيرها من مدارس السينما والمخرجون كانوا أسماء كبيرة مثل يوسف شاهين وصلاح أبو سيف ..
الخلفيات الإيديولوجية كانت واضحة وقد يحدث أحيانا التصادم بتنوع انتماءات الجمهور، ولكن من هذه النقاشات كان يتشكّل وعي عميق وثقافة نوعيّة.
وكان يكفي أن تعرض شريط المخرج الجزائري محمد الأخضر حامينا: وقائع سنوات الجمر حتّى يتدافع الجميع للحضور. كانت السينما فعل مقاومة ويكفي أن نذكر أنّ محمد الأخضر حامينا تعرّض أثناء عرض شريطه في مهرجان كان حيث حصل على السعفة الذهبية إلى التّهديد بالقتل من قبل أنصار لمنظّمة الجيش السرّي الفرنسيّة الإرهابية حتّى ندرك خطورة السينما حين تكون وسيلة إدانة لنظم القمع التي تحكم العالم.
هذه النوادي كانت مدارس حقيقية في تعلّم قراءة الصورة والنّقد السينيمائي ولكن أيضا في تعلّم القيم. الآن أجد أنّ فوضى القيم قد لحقت السينما ككلّ منتوج ربحيّ زمن العولمة.
تحكّم رأس المال المعولم في السينما وطغى المشهد الاستعراضي والصورة الاستعراضيّة والجسد الاستعراضي وصارت الأعمال أكثر تلاؤما مع قيم العولمة وأصبحت الأشرطة الأشدّ انتهاكا للقيم الأصيلة لبعض الشعوب هي الأقرب إلى الجوائز وأصبح الابتعاد عن القضايا العادلة مقابل الترويج لفلسفة اللذّة الكاملة التي تنتشر اليوم في عالم معولم شروط للنجاح السينمائي عموما هي المعايير العالمية المفروضة.
فشريط يتعلّق بالمثليّة مثلا قد يصل العالميّة حتّى وإن لم يكن بمواصفات فنية تستجيب للشروط. ممثّلة تعرض جسدها على رصيف المهرجان قد تصبح بين يوم وضحاها نجمة. مخرج صغير قد يقدّم له دعم لامشروط لأنّه يتناول موضوعا للاستهلاك الغربي.
في انتظار أن نجد في الأفلام المعروضة ما يشفي الغليل إلى الجمال والقيم ها نحن نتابع ورد الشفايف المنفوخة بالبوتوكس والأجساد الممشوقة بالشّفط وعرض الفساتين المنتمية إلى زمن السلعنة وبنا حنين إلى وجه سيّدة الشاشة العربيّة فاتن حمامة في فلم: أريد حلّا، رغم أنّي أعتبر أنّ كلّ زمن يمكن أن يكون زمنا ذهبيا إن أردنا. وأيضا نتابع أحلامنا ونحن نغني مع الشاعر الجميل آدم فتحي:
سينما ورد الشفايف سينما شهد الكلام
سينما والقلب خايف سينما والروح رخام
دنيا وتمثل علي طايره بيك وطايره بيا
صرت مش عارف ياروحي انتي روحي بين ايديا
ولا انتي حتى انتي سينما
دمعتك دمعة عيونك ولا صوره مصوره
ولا لحظه من جنونك صورتها الكاميرا
اعذري يا نور عيوني حيرتي وشكي وظنوني
حتى احلام الطفوله اللي ظامنها بجفوني صايره احلام سينما
دنيا وتمثل علي طايره بيك وطايره بيا
صرت مش عارف ياروحي انتي روحي بين ايديا
ولا انتي حتى انتي سينما
ضحكتك في القلب نجمه نجمه تلمع من بعيد
ولا هي يا حياتي لقطه من الفيلم الجديد
اعذري يا نور عيوني حيرتي وشكي وظنوني
حتى احلام الطفوله اللي ظامنها بجفوني صايره احلام سينما
دنيا وتمثل علي طايره بيك وطايره بيا
صرت مش عارف ياروحي انتي روحي بين ايديا
ولا انتي حتى انتي سينما