شتاء ساخن وقلوب باردة !

Photo

لا برد غير برد القلوب.. ولا نار غير نار القهر !

هو شتاء ساخن رغم الثّلوج على التّلال.. فالغضب يلهب النّفوس في الدّاخل.. والنّار أوّلها الغضب.. ولكنّ القلوب الباردة لا تستشعر غضب المحرومين.. هاجسها أن يخلو لها الجوّ وأن تعيش " لذّة السّلطة "..

المرأة التّي قالت إنّها مستعدّة لإرسال أبنائها الأربعة العاطلين للاحتجاجات صورة رمزيّة لبلوغ الغضب مداه.. غضب ليس وراءه مندسّين ولا راكبين غير الفقر والهدر والإحساس بالقهر .. الفقر هو المندسّ الأوّل والقهر هو الرّاكب الأوّل.. مركّب في النّفوس منذ عقود ولم تستطع الحكومات المتعاقبة ولا الأحزاب المائة وأكثر ولا النّواب المائتين وأكثر ولا الشّيخين المتوافقين أن يحرّروا النّفوس الغاضبة من هذا الشعور العميق بأنّهم مواطنو درجة ثانية. فالحكومات المتعاقبة والأحزاب والنّوّاب ظلّوا يحومون في فلك القديم الذّي صنع الفقر والشّعور بالقهر وظلّوا رغم الدّستور الجديد يعيدون إنتاج القديم ويعيدون إنتاج الفساد نفسه الذّي يخدم فئة قليلة توظّّف دون خجل القوانين وتسعى إلى صياغتها على مقاسها ومقاس عائلاتها لتشريع النّهب والسّرقة..

نفذ صبر أيّوب بعد انتظار الذّي لا يأتي.. لم يأت " غودو " في آخر المسرحيّة رغم تتالي فصول الحكومات التي لم تنجح إلّا في صنع مزيد من الخيبات والإحباط وفي إطالة الانتظار.. ملّ المتفرّجون الفرجة فانفجروا..

خمس سنوات كانت خلالها المعارك الوهميّة.. معارك جهاد النّكاح والصّدور العارية وتحليل الخمرة .. يتصدّرها كبار المثقّفين والمفكّرين على شاشات التّلفاز البائسة وتتصدّرها المثقّفات السّاخرات من " ثروة البرويطة " لنسيان الجرح الغائر في صدر الوطن والعبث بذاكرته وللإلهاء عن المتخمين الذّين ازدادوا تخمة والمحرومين الذّين ازدادوا حرمانا وعن العابثين بثروات الوطن الذّين ازدادوا عبثا..

كانت الغاية صنع " البلاهة " و " الغباء " بتحويل المتفرّجين إلى كائنات تلفزيّة بلهاء تستهلك سرديّات كاذبة لكنّ سرديّات الواقع الموجعة فاقت سرديّات التّزييف الكاذبة وذكاء الشّباب فاق غباء الإعلام وعادت المعركة الحقيقيّة لتتصدّر المشهد بعيدا عن " نجوم " الخبراء والمثقّفين والمستكرشين القدامى والجدد .. أعادها المفقّرون الذّين يدفعون من دمهم ثمنا لخيانات المثقّفين والسّياسيين والأحزاب التّي تتفرقع كلّ مرّة من فرط هوس أصحابها بالزّعامات ليصبح لكلّ طائفة زعيم يدور حول نفسه ويرضي نرجسيّته وهو ينظر في مرآة غديره السّاكن ولا يصل خطابه إلّا إلى طائفته التي تكتفي بالتّمجيد والطّاعة أو النّقد الخجول المجامل.

نفذ صبر أيّوب بعد أن عاين الشّباب صمت القلوب الباردة عن الشّباب المنتحر حرقا أو غرقا أو صعقا أو ذبحا وبعد أن عاينوا انشغال أصحاب القرار عنهم بشقوقهم وتصدّعاتهم وحساباتهم وبعد أن عاينوا مسؤولي النّظام القديم يعودون بنفس الممارسات والعقليّة وبنفس الفساد ويمسكون بنواجذهم مصير البلاد وبعد أن عاينوا رهافة شعور الحكومة الحنون على رؤوس الأموال القاسية على ضحايا رأس المال فقرّروا أن يكون الشّتاء ساخنا على القلوب الباردة..

هذه القلوب الباردة التي لم تتعلّم الدّرس بعد لا تزال تتعامل مع المعضلات بنفس الطّريقة القديمة.. طريقة حبّات التّسكين بإلقاء الوعود واتّخاذ قرارات مرتجلة وغير مدروسة هي ردّ فعل بافلوفيّ غايته التّهدئة لكنّها تزيد في توريط أصحاب القرار لأنّها ستخلق آفاق انتظار لسرديّة أخرى قد تقوم بدورها على خيبة الوقّع فتكون النّتيجة تحوّل الشّتاء السّاخن إلى شتاء حارق..

ولن تجدي محاولات ركوب الأحداث فستلقي بكلّ من يتّخذها سبيلا لبلوغ السّلطة المأمولة.. يكفي القلوب تركبها الهموم ..

أمّا الفاسدون القدامى والجدد الذّين صنعوا مأساة هذا الوطن الصّغير فلن ترحمهم القلوب المهمومة..

واحذروا غضب من لا شيء لديه ليخسره..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات