وأنا أقرأ كتاب الدكتور محمد كشكار: جمنة وفخ العولمة تمنّيت لو أنّ مسؤولينا يقرؤون. فالكتاب على ما يوفّره من متعة حقيقية ( ليست كلّ الكتب تمتع ) رغم أنّ كاتبه دكتور في " ابستمولوجيا البيولوجيا " لكن اختصاصه العلمي لم يمنع امتلاكه اللغة العربية ( وقد فسر ذلك في الكتاب ) فإذا هي طيّعة تنساب بلطف وتنفذ إلى القلوب، على هذه المتعة فإنّ الكتاب يمثّل ثورة حقيقية في مجال التربية والطب النفسي والتنمية تستلهم التراث الجمني الثري والتجربة الجمنية الحديثة بعد الثورة لتقدّم حلولا لواقعنا الذّي نعيش مآزقه في سياق عولمة برهنت على لا إنسانيتها وعجزها عن تحقيق إنسانية الإنسان.
أجمل ما في الكتاب ( كل الكتاب جميل وأحببت كثيرا بحكم اختصاصي الفصل الأول: جمنة الخمسينيات تعطي درسا في التربية الحديثة ) (الجزء الثاني الذي يتحدث عن جمنة والثورة وفيه يقدم الكاتب تجربة استرجاع الأهالي لواحة من " أحد عصابة السراق " الذي فرّط بن علي له في هنشير لقاء رشوات لصندوق 26 26 وما حدث بعد استرجاع الواحة من تكوين جمعية حماية واحات جمنة التي " فاق أعضاؤها العمال الألمان واليابانيين والكوريين في الوطنية والتضحية ونكران الذات " كما ذكر الكاتب( الطّريف أنّ الجمعية ضمّت يساريًّا مستقلا وعضوا من حركة النهضة وهذه في حد ذاتها تجربة رائدة .
وقد صدّر الجزء الثاني بفصل عنوانه: في العاصمة أسقط مخلوع وفي جمنة مخلوعان. متحدّثا بإسهاب عن تفاصيل هذه التجربة الرائدة ونضالات العمال ضدّ الفاسدين معتبرا إياها نموذجا لدعم الثورة وتحقيق أهدافها.
أقرأ الكتاب في الوقت الذي يقوم فيه وزير أملاك الدولة الجديد ( يبدو أنه لم يقرأ الكتاب) بإصدار أمر لاسترجاع الهنشير من الأهالي لملك الدولة دون استشارتهم ليقضي بذلك على بادرة فريدة من نوعها يمكن أن تحلّ معضلة الضيعات العمومية الفاشلة عبر حسن تسيير المجتمع المحلي لشؤونه بنفسه. إنّها نموذج للاقتصاد الاجتماعي التضامني الناجح.
متى سيصغي المسؤولون إلى المفكّرين والمختصّين الحقيقيين بعيدا عن خبراء التزييف والكذب؟
دام صوتك سي محمد.. سعدت كثيرا بالكتاب وخاصّة بإهدائك الجميل: إلى ليلى الكلمات الصادقة والأسلوب الرقيق المقنع.
قارئك محمد كشكار
دمت كبيرا سيدي