الشباب في تونس ليس ذاك الذّي نراه في التّلفاز خاويا من القيم خاليا من كلّ موقف من الحياة وليس ذاك الذي تراه في الكاميرا الخفيّة محمّلا بطبائع الاستبداد مورّثا الذلّ والخنوع طائعا لأصحاب السّلطة.
الشّباب في تونس غير ذلك. إنّه هنا على الميدان يخوض معارك كبيرة بطريقة مختلفة عن تلك التي يخوضها الكبار كثيرو اللغو والضّوضاء والعداوة. وهو يعرف أهدافه جيّدا ويعرف آليات عمله ويعرف كيف يبني موقفا سليما دون تشنّج أو تحيّز أو عدوانيّة. هو الشّباب الذي يخوض حملات ضدّ المصالحة وضدّ الفساد وأيضا ضدّ القتلة الذين يرتوون من دماء الأطفال.
الموقف من بطلة شريط wonder woman الصّهيونيّة والحملة التي أطلقها الشّباب من أجل مقاطعته يدلّ على أنّ الشّباب قد تجاوز مثقّفي الحداثة المشوّهة وأصحاب الرّدود البافلوفيّة الخائفين أبدا على " حريّة الفنّان " دون أن نرى فنّا، وأثبت قدرة على الخروج من دائرة المعارك الموروثة والعداوات القديمة المتجدّدة والمواقف الرّخوة والأيدي المرتعشة وآراء المثقّفين المعلّبة والمقولبة والسطحيّة والنمطيّة في دفاعها عن حقّ التّعبير إلى بناء مواقف رصينة ومتجذّرة .
أقرأ لغسّان وسمر وسيف فتثلج صدري تحاليلهم الهادئة والعميقة وقدرتهم على الإقناع.
هناك جيل جديد يتشكّل لا يشبهنا كثيرا. إنّه أقلّ لغوا وتحيّزا ووثوقيّة وأقلّ تخوينا واتّهاما وأقلّ رغبة في اغتيال الآخر معنويّا لإثبات امتلاك الحقيقة، وأكثر عمليّة وعقلانيّة وصلابة في المواقف.
متحرّر من قبضة السّرديّات الإيديولوجيّة الكبرى منفتح للنّقاش ولا ينفي الآخر بل يذهب نحوه بأفكاره ورؤاه ويدعوه إلى الإنصات. جيل استطاع رغم كلّ التّزييف الممنهج للوعي عبر المنابر الإعلاميّة والبرامج المدرسيّة أن يقود جزءا من الشّارع في بعض اللحظات التاريخية برؤية واضحة لا خلط فيها ولا خبط.
هذه كلمة لكم.. لمواصلة الطّريق.. فشكرا لكم.