لا أدري كيف فكّرت وعيني تمسك بتلك "النقابية" داخل إحدى المؤسّسات متلبّسة ببيع طلاء أظافر وبعض أنواع أخرى من الماكياج الرخيص والمؤذي لإحدى الموظّفات أنّ بعض النّساء مازلن طلاء أظافر "للسيستام" يزيّنّ بوجودهنّ واجهته رغم أنّهنّ في مواقع تقتضي مقاومته والتحرّر من قبضته القويّة الخانقة.
فأن تكون المرأة نقابية يعني وعيا عميقا بهذا الزمن المعولم الذي يحوّل الإنسان إلى مجرّد كائن استهلاكي رخو يبتلع بلهفة كلّ السموم ويحوّل المرأة في كثير من الأحيان إلى أداة ترويجيّة لها. هكذا يحوّل النظام الاقتصادي المهيمن المرأة إلى طلاء أظافر تزيّن مخالبه التي ينهش بها أجساد العاملات فيترك ندوبا يغلّفها بالمساحيق.
نقابية " طلاء الأظافر" لا تختلف عن سياسيّة طلاء الأظافر، فبعض النساء أيضا مازلن في ديمقراطية جديدة مجرّد واجهة لتزيين الدولة والأحزاب بتصدّر منابرها في المناسبات ولا يمثّلن فعليّا أيّ وزن داخل مشهد سياسيّ يحكمه الرجال، ولا يمتلكن أيّ رؤية سوى بعض الشعارات وكثير من العدوانية للمختلف بل هنّ وقود في حرب غير معلنة ويكفي ما تقوم به نائبة جميلة من نائبات مجلس النواب في إحدى المجموعات من تحريض جنونيّ على الفتك بأعدائها على الضفّة الأخرى حتّى ندرك بعض " المهام" الموكولة للنساء سياسيا.
أمّا أخريات، فتنقّلن من الحزب الحاكم قبل الثورة إلى حزب حاكم بعد الثورة محافظات في تنقلهنّ على كلّ الثقافة الجهويّة والعنصريّة البغيضة القائمة على الاحتقار المُرضي للنرجسيّة، فكان وجودهنّ مجرّد طلاء آخر هشّ إلى الحدّ الذي نتبيّن من خلاله كلّ قبح الفكرة التي يحملن.
أمّا المثال الأسوأ، فهو رئيسة حزب فاشية تدعو إلى محق أعدائها فتعيد إنتاج أسوأ ما أنتجت البلد من تسلّط وفاشية ولّدت أمراضا اجتماعية عميقة سنحتاج دهرا للبرء منها.
دون هذا، مازلنا نحتاج زمنا كي تفهم "الحداثيات" أنّ الحداثة لا تعني معاداة الآذان (سمعت على الإذاعة البارحة امرأة مسرح حداثية تعتبر آذاننا التونسي وحده ما تعترف به في إطار تلطيف الموقف ) كما لا تعني معاداة الحجاب ولا الإسلام ولا مقدّسات المجتمع، لأنّها تبرهن بذلك على فهم سطحيّ ونظرة تبسيطيّة لواقع معقّد فتصير مجرّد دمية حداثية تكرّر مقولات جاهزة وقوالب مستوردة من نقاشات يسترزق بها الكثير في الغرب الذي يطلب مثل هذه الخطابات ويقيم لها موائد.
كما لا تعني الحداثة التهجّم على عرض فتاة فقط لأنّ النائب الذي تولّى قضيّتها "عدوّ" لهنّ.
وفي الآن، نحتاج زمنا أيضا لتفهم "الإسلامية" ( لا أتبنى هذا التقسيم بل أضطرّ إليه ) أنّها لا تمثّل سلطة المقدّس لتسلّط أحكامها المسبقة القاسية على الأخريات لأنّها تبرهن بدورها عن نفس الفهم السطحي والنظرة التبسيطيّة لواقع معقّد ومتحوّل ومفتوح لا تملك فيه الحقيقة التي لا يملكها احد. وما التهجّم على مناضلة من حزب آخر بسبب اختلاف الموقف من مسألة المساواة سوى مشهد شديد السوء يفضح هذه الادّعاءات.
ربما على المراة ان تعيد التفكير في ماهيتها اليوم في ظل الواقع المركب الذي نعيش والذي تفقد فيه الكثير من وردها الأنثويّ الذي يعبق بالحكمة.
في 8 مارس 1908 حملت آلاف عاملات النسيج في نيويورك قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود واخترن لحركتهنّ شعار خبز وورد فكان زخم الجمال في الحراك بداية لحركة نسويّة بلغت أصداؤها العالم وكتبها التاريخ.
أمّا نساء تزيين الواجهات فلا يصنعن شيئا للتاريخ.