هل نجتاج فعلا إلى إفراط في التّفكير ( هذه صارت تهمة ) لندرك أنّ ما قيل في الفيديو الحدث لم يفاجئ الكثير؟ أليس هذا هو الكلام الذّي كنّا نخمّنه سرّا وجهرا وتتداوله شبكات التّواصل ويدوّنه المدوّنون؟ ألم تكن أقلام كثيرة تتحدّث عن اغتيالات وراءها أطراف متنفّذة ماليّا وسياسيّا واستخباراتيّا وأنّ الأطراف المتطرّفة دينيّا، أصحاب اللّحيّ، لم تكن سوى الواجهة والغطاء لصناعة الخوف؟
ثم أليس مثل هذا " الإعلامي " الذّي مثّل لسنوات أحد وجوه الإعلام هو من ساهم في الحجب والتّزييف والتّزوير؟ ألم يرتكب كغيره ممّن يمسكون و يوجّهون الآن الرّأي العام جرائم في حقّ العقل التّونسي؟ ماذا أضاف غير إحداث فرقعة جديدة ضمن فرقعات أخرى سابقة ولاحقة تؤكّد آنّ الإعلام كان ومازال أداة تلاعب بالعقول تمسك بها الأيدي القويّة.
• لم يكن من السّهل على التّونسيّ أن يقاوم ترسانة الإعلام. شبكة معقّدة محكومة بالمال والمصالح. يمدّ الأخطبوط الإعلامي أصابعه الطّويلة كلّ مرّة ليقبض على الأرواح ويضغط على العقول ويلوي عنق الحقيقة ويصنع الخوف والغباء ويحوّل الإنسان إلى كائن تلفزيّ أبله. يصنع الفرقعات المتتالية وكانت الاستراتيجيا تحويل البلد إلى جحيم لا يطاق وصناعة الرّعب والإيهام بالماضي / الجنّة وأدا لثورة لم تكتمل. استبدّت بالعقول برامج القصف وبلاتوات الكذب والتّزييف وصنعت المعارك الوهميّة بين علمانيين وإسلاميين للانحراف بالمعركة الحقيقيّة : المعركة ضدّ الفساد ولا يزال. وتآمرت على الحقيقة التّي بدأت تبوح ببعض خفاياها نتيجة تضارب مصالح اللّصوص ولكن يبدو أنّ الحقيقة قاتلة وأنّ المكتوم أشدّ فضاعة ممّا اعتقدنا…
• الواضح أنّ كلّ تصريح لأحدهم لا يفاجئ فعلا إلّا الذّين استثمروا في غياب الحقيقة وعملوا على أن تغيب وتظلّ كذلك أبدا. فالجميع يعلم أنّ لعبة كبيرة وقذرة مارسها الإعلام بالتّحالف مع لوبيات الفساد منذ البداية وكانت استمرارا لألعاب قذرة سابقة. الجميع يعلم حتى وإن لم يمتلك التّفاصيل الدّقيقة والأدلّة القاطعة . ولكن كلّ تصريح ينجح في بثّ الخوف ويدفع إلى حالة من الهستيريا الجماعيّة والرّعب المشترك.
و الثّابت أن بعض الأحزاب " المعارضة "، بدافع أحقادها وحساباتها وضيق رؤاها، استثمرت كثيرا في هذه الأكاذيب التي نسج أحابيلها الإعلام حول الاغتيالات وغيرها. وهو استثمار عانينا منه سنوات وإلى الآن حين كان مصير الوطن يبنى ويوجّه وفق أكاذيب وأراجيف الإعلام.
ولن ننتظر لا شهادات هذا ولا ذاك وأيضا لا نحتاج إفراطا في التّفكير لنخمّن أنّ الأمر يدخل ضمن صراعات داخليّة داخل أقطاب ماليّة وحزبيّة وأنّ " لعبة الإرهاب " ليست لحية ونقابا. هي لعبة أصحاب البدلات الأنيقة الذّين يتخفّون وراء اللّحية والنّقاب.
وبعد، أين نحن من كلّ هذا؟
ربّان السّفينة مجنون يقودها إلى المجهول والموج عاتي والركّاب يصرخون ويفزعون وكلّ يبحث عن خلاصه ولا أحد يعنيه أمر الآخر.. هنا نحتاج فعلا إلى إفراط في التّفكير. تفكير رصين وعميق وإيجابيّ من أجل ألّا يحملنا الموج العاتي وجنون الربّان إلى ضفاف الخيبة والإحباط والعجز.. أو الغرق في قاع التّاريخ الذّي لا يرحم.
الإفراط في التّفكير ضروريّ في اللّحظة الرّاهنة من أجل كتلة اجتماعيّة وثقافيّة وسياسيّة قويّة ومتماسكة قادرة على مواجهة المتلاعبين بمصيرنا ومصير أبنائنا..
لنفرط الآن في التّفكير بدل الإفراط في الرّعب أو التّجاهل.