الجوع كافر والعطش أيضا كافر.. ونساء العطش مللن العطش فخرجن للاحتجاج بعد أن نفذ صبر أيّوب..
" لقد ملّ أهل قريتي العطش " هكذا هتف لي أحد الشّباب المقيم في أمريكا ولكن قلبه هنا: في الذّهبيّات حيث يعيش أهله الطّيبون الذين انتخبوا النهضة سنة 2011 أملا في استرجاع حقوقهم التي نهبت منهم ثمّ النّداء في 2014 بعد أن خاب ظنّهم وها أنّ الظنّ يخيب مرّة أخرى وتبقى الذّهبيات والعلا أرضا للعطش والجوع..
الذّهبيات تقع في ولاية القيروان . أرض تجري من تحتها الأنهار لكنّها تجري باتّجاه السّاحل حيث يرتوي هناك الشّجر والحجر وتبقى الذّهبيات للعطش والغبار. هو ما أرادته دولة الاستقلال حين جعلت من الساحل القبلة ..
المفارقة دائما أنّه حيث يوجد الماء يوجد العطش. ففي الشّمال الغربي حيث منابع الماء يختزل حلم بعض أهالي القرى في " سبالة " في البيت إذ تضطر النساء غالبا إلى قطع مسافات طويلة من أجل الحصول على الماء وحمله على رؤوسهنّ وظهورهنّ في انحناءة هي انحناءة الإنسان أمام غفلة الدّولة عنه.
ليس الأمر مقدّرا فالطّبيعة وهبت لكنّ الدّولة ضنّت وطوال 60 سنة كانت الدّولة الشّحيحة غافلة عن الأرض وما في باطنها إلّا ما تفطّن إليه المستعمر فاحتكره واستغلّه.
نساء العطش في الذّهبيات جاوز بهنّ العطش المدى فخرجن يطلبن الماء.. أين الرّجال؟ لا ندري.. ولكن هذا الاحتجاج النّسائي طلبا للماء يدلّ على أوجه الصّلة بين المرأة والماء.
المرأة كائن مائيّ في بعضها وبدون ماء تختلّ حياتها وترى العالم غبارا.المرأة تريد الماء لتؤدّي وظيفتها الأسمى: تطهير العالم. لذلك خرجت لتحتجّ بينما قد يكون بعض الرّجال في المقهى يترشّفون كأس شاي رخيص بفضل الدّولة طبخ بماء ممزوج بعرق امرأة جلبته فجرا على ظهرها المنحني.
أيّ مشاهد سرياليّة يمكن أن نراها وسط مدائن العطش؟ عطش إلى الماء، عطش إلى الكرامة، عطش إلى المساواة..
لنفكّر ماذا يمكن أن تنتج قرى العطش؟ أكبر نسبة انتحار للأطفال، انتشار حالات أمراض الكبد، شباب يفرّ إلى الوهم، نساء لم يعدن قادرات على تحمّل العطش فانتفضن، رجال يسكنون المقاهي ويفرون من بيوت بلا ماء..
الحلّ؟
انظروا إلى ذلك الطّفل الذّي يقف لقطع الطّريق من أجل الماء مساندة لأهله وستجدون الحلّ..
إن لم تجدوه فانتظروا أجيالا من قطّاع الطّرق..