كتبت البارحة عن التعنيف الذي يتعرّض له الأطفال المصابون بالتوحّد في أحد المراكز ثمّ حذفت ما كتبت. خشيت في لحظة أن أكون قد تسرّعت في الحكم. أن أكون ظلمت " الفتاة ". فظاعة المشهد جعلتني لا أصدّق.
ولكنّي وأنا أقرأ الأن ما كتبته على صفحتها أتبيّن أنّ المشكلة أكبر بكثير ممّا توقّعت. إنّها ليست مجرّد تعنيف لأطفال. إنّها تركيبة مشوّهة لذات خاوية تماما من الحدّ الأدنى الإنساني. من الحدّ الأدنى الأخلاقي لا في التّعامل مع الأطفال فقط بل في التعامل أيضا مع الكبار.
فهي تتحدّى الجميع بكلّ صفاقة يساندها في ذلك عدد لابأس به. أستطيع أن أقول إنّها مشكلة " المرأة التونسيّة " في جزء منها وفي وجهها الخفيّ الذي تفضحة اللغة البذيئة التي تستعملها والسلوك الهستيري والعنف المبطن والخواء القيمي ولعب دور الضحية في المقابل.
وهو أيضا مشكلة الإنسان التونسي عموما الذي تشرّب ما يكفي من العنف بجميع أنواعه وأشكاله منذ الطفولة ( الأسرة، القسم، الشارع، السلطة(.. ليتيه عن ذاته.
هذه الفتاة نموذج سيء جدّا أنتجته الدولة التونسية في عقود وهو نموذج يتكرّر ويتمدّد ويحتاج الأمر إلى دواء جذري للتشوّهات التي أصابت عمق الكيان.
وما دمنا لا نراهن على التعليم والإعلام والثقافة سننتج نفس الإنسان.