" ارقدلوا في الخطّ "

Photo

لم أتصور أنّنا بلغنا هذه الدرجة وأنّنا صرنا نعتقد أنّنا بالأولياء والدّعاء فقط قادرون على الانتصار. كثافة الدعاء الذي أطلقه المذيع في الراديو ( تابعت المقابلة سماعيا وأنا أشتغل في البيت ) جعلني للحظة أتخيّل أنّني على جبل عرفات وليس في ملعب مقابلة كرة قدم في روسيا حيث المنتصر هو الأقدر على اللعب.

الاتّكاء على الدّعاء كما الاتّكاء على الأولياء يؤكّد أنّنا نعيش اغترابا عن زماننا المحكوم بالقوّة والمال والعمل. إنّه من المخجل حضاريّا أن نطلب انتصارا بمجرّد التعويل على قدرة وهميّة لوليّ لا يملك في مجال كرة القدم لا ناقة ولا جملا.

خجل كروي متّصل بخجل سياسيّ من أصحاب حكم لا يزالون يعوّلون على الأولياء الصّالحين لإنقاذ تونس التي تعيش اليوم أقصى أزمتها الاقتصادية. ثقافة عادت بقوّة مع مبعوث العناية الإلهية الذي أكرمنا الله به ومع حكم أتباع الشاذليّة وغيرها من الفرق، ومع هيمنة قوى المال التي تتّخذ من هذه الثقافة مجالا للانتعاش ودغدغة الشّعور الديني لدى النّاس وجرّهم إلى المربّع الذّي يريدون.

وهي ثقافة نراها في إعلام يدّعي حداثة لكنّه يستبطن شعوذة من خلال الدّعاية والإشهار حيث يحضر الأولياء حضورا قويّا في فترة خلنا فيها أنّنا بدأنا دخول بوّابة العقلانية، وفي الصّفحات والرسائل الجاهزة والتدوينات التي تتوسّل الدّعاء للربح فقط غافلة عن كون الدّعاء فعلا روحانيا خالصا بين الإنسان وربّه يمثّل حالة وجد صادقة وعميقة لا تحتاج واسطة ولا إشهارا.

خيبتي ليست في هزيمتنا الكروية. خيبتي في هزيمنتا الحضاريّة التي تعلن عنها عقلية كسولة متّكلة تؤمن ب " ارقدلو في الخطّ ". تلك الصرخة التي أطلقها المدرب. أجل كثير هم من " رقدوا في الخطّ " ومازالوا في هذه البلاد حتّى كدنا لا نرى سوى الرّاقدين على الخطوط في الوقت الذي يقف فيه الآخرون على خطوط النار بأسلحتهم وعتادهم وقوّتهم وأموالهم ومعارفهم وأدبهم وعلومهم متحكّمين في مصائرنا وأقدارنا.

عقليّة " ارقدلوا في الخطّ " مع الأولياء والدّعاء ومع المال الكثير الذي تمّ إنفاقه والإشهار والأغاني خليط عجيب فاقد لأيّ رؤية.

سيصغي الله إلى دعائنا حين نكفّ عن " الرّقاد في الخطّ ". فالله تعالى لا يحبّ " الراقدين " وهو الآن أقرب إليهم منّا في يقظتهم الحضارية.

وهو لا يظلمنا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات