على جيلي أن يتواضع.. قليلا

Photo

بعض جيلي لا يكفّ عن ادّعاء المعرفة ويسخر من اهتمام الصّغار والشباب برجل مثل ستيفن هوكينغ. جيلي الذي يدّعي كثيرا المعرفة ويتّهم الجيل الجديد بالجهل لعلّه قد فاته أنّ المعرفة اليوم قد تعولمت وهي تسير بسرعة الضوء ولم تعد كتابا نلتهمه بعد أن نعثر عليه بجهد جهيد في مكتبة ما على رفوفها غبار كثير.

المعرفة اليوم تجري على الرفوف الافتراضيّة ولا يصيبها الغبار فما يستهلكه الجيل من فيديوهات علمية ومن مراجع متنوعة كبير وكبير جدّا وهو يكسر كلّ ادّعاءاتنا. أحببت ستيفن هاوكنغ من خلال ابني الشغوف به والشغوف بكلّ ما يتعلّق بالفضاء ونشأة الكون وهذه الألغاز الكبرى التي تحيّر الإنسان.

ما شدّني في ما سمعت ورأيت هو الطريقة التي يتمّ بها تقديم المعرفة. إنّها طريقة ساحرة وممتعة تجعلنا نراجع طريقتنا في كلّ ما نقدّمة لتلامذتنا الذين يطّلعون على هذه الفيديوات والأشرطة السينيمائية والوثائقية ويصطدمون وهم يأتون إلى القسم الشبيه بالسجن بالمعرفة التقليديّة والطريقة القديمة التي تقدّم بها.

ستيفن هاوكنغ علّمني شيئا رائعا: أن أشعر بجهلي وأن أتعلّم إلى الأبد. لذلك أعكف كلّ مرّة على دراسة هذا العالم المثير والساحر والمغري. هو ليس بعيدا عن اختصاصي كما يبدو في الظّاهر. فالشّعر مليء بهذا العالم الساحر والغامض والفاتن.

في كلّ مرّة وأنا أشاهد قصّة كلّ شيء التي قدّمها ستيفن هاوكينغ أشعر أني ذرّة سابحة وسط فضاء ممتدّ يزداد اتّساعا رغم أنّه انطلق من نقطة صغيرة. نحن ذرّات من غبار ليست استعارة. إنّها حقيقة. فنحن مصنوعون من غبار الانفجار. هو الطين في التصور الديني. النجوم ترقص في السماء ليست استعارة.

إنّها حقيقة. فقد تغيّر الكون في لحظة سحيقة من غيمة من الغبار إلى مكان يزخر ب 100مليار مجرة تقريبا تغزل في رقصة فوضوية. لقد استطاعت استعارات الشّعراء أن تلتقط الخيط المضيء الذي يربط الإنسان بالكون. في عينيك الشّمس ليست استعارة فأفران تغلي بالهيدروجين كالشّمس هي التي صنعت الذرات التي في رموشنا وأعيننا.

الشمس في عيوننا حقيقة. ونحن ذرّة صغيرة لكنّ الكون فينا. " تحسب أنك جـِرمٌ صغير *** وفيك انطوى العالم الأكبر " هكذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه. هذا الجرم الصغير الذي يختزل الكون فيه هو الإنسان. إنّها دعوة إلى التواضع وإلى الإحساس بالعظمة في آن واحد. عظمة أنّك المنتوج المدهش لهذا الكون. لعلّه المنتوج الوحيد في مليارات المجرّات التي تسبح في الفضاء المتناهي الكبر.

في هذا العالم السحري تتغيّر لديك مفاهيم جديدة: الأنا، الآخر، الحياة ، الموت، الحب، الكره داخل هذه الهندسة السماوية المذهلة تدوخ آلاف المرأت. ذلك الخاتم من ذهب الذي ترتديه. صنع معدنه في ومضة ضوء قبل مليارات السنين.

يا إلهي كم هذا خارق. يعني أنّي أحمل في اصبعي لحظة زمنية قديمة جدّا. لحظة بدايات الكون. الزمن هنا لم يعد خطّا ممتدّا مستقيما يجري كنهر. إنّه تراكم أزمنة كما تتراكم قشور البصل على بعضها البعض.
أجسامنا أنفسها صنعت من مادّة النجوم: النيون، الاكسجين، الهيدروجين، الحديد، الكربون..

فوق هذا، هذه الجاذبيّة هي السرّ، سرّ من أسرار كلّ هذا الجمال والقوّة والسحر في هذا الفضاء. إنّها الملكة الحاكمة بأمرها. ملكة الجاذبيّة التي تنتظم العتاصر في الكون وفق إرادتها. وحتّى الثقوب السوداء.

هذا الجانب المخيف والمظلم في عالمنا لها جانب مضيء: إنّها تصنع المجرّات الهائلة المضيئة. إنّها السواد الذي يصنع الضوء. إنّ الثقب الأسود شديد القتامة لكنّه لا يكفّ عن صنع مجرّته الضوئيّة. وهو لعمري أمر يشبهنا كثيرا. فنحن لا نكفّ ونحن نمتلئ بالثقوب بفعل الزّمان عن صنع الضّوء للآخرين.

ومع ذلك يخبرنا ستيفن أنّنا مخلوقات عاجزة بالمقارنة مع الكون العظيم الذي أتينا منه. ستستمرّ رقصة الكون وسنظلّ مندهشين أمامه كأطفال.

أحد طلبة الهندسة من أصدقاء ابني كتب على صفحته الكلام التالي: " لو رأى ستيفن هوكينغ كيف تدرّس الفيزياء في بلاد العرب لمات من زمان. رحم الله هذا الإنسان العظيم وسخّر من يحمل عنه مشعل الحقيقة.

" فجوبه بالعبارة التالية: " لا يجوز الترحّم على غير المسلم".

رحم الله ستيفن هوكينغ وجعلنا أكثر تواضعا وقبولا للمختلف.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات