قضية " التآمر" : من منع التداول الى المحاكمة عن بعد

أصدر قاضي التحقيق الأول بالمكتب 36 بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب، قرارا يمنع بمقتضاه التداول الإعلامي في قضيتي التآمر على امن الدولة المتعهد بهما، وفق ما ذكرته الناطقة الرسمية باسم القطب، حنان قداس، لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، مساء الجمعة 16 جوان 2023 و أوضحت قداس أن هذا الإعلام الموجه لوسائل الاعلام السمعية والبصرية، يرمي إلى الحفاظ على حسن سير الأبحاث وسرية التحقيق وحماية المعطيات الشخصية للأطراف موضوع البحث حسب نص القرار. وتم إيقاف واستنطاق عدد من السياسيين والجامعيين و الناشطين في أحزاب ومنظمات ومحامين على ذمة تحقيقات تتعلق بالتآمر على أمن الدولة الداخلي و الخارجي.

كانت تلك هي الحلقة الأولى من حلقات محاولة التعتيم على هذه القضية وستكون الحلقة الثانية هي المحاكمة عن بعد ففي 26 فيفري 2025، أبلغت رئيسة المحكمة الابتدائية بتونس ووكيل جمهوريتها فرع الهيئة الوطنية للمحامين بتونس مذكّرة تقرّر بمقتضاها اعتماد المحاكمة عن بُعد فيما يتعلّق بالقضايا المنشورة بالدائرة الجنائيّة المتخصّصة في قضايا الإرهاب طيلة شهر مارس من ذات السنة مع مواصلة ذات الإجراء فيما يتعلق بتلك القضايا بعد ذلك طيلة أمد نشرها لوجود خطر حقيقيّ. ويفرض هذا القرار متابعة المتهمين جلسات محاكمتهم من سجونهم وباعتماد تقنيات التواصل عن بُعد المُعدّة للغرض.

وتستند المحكمة في قرارها إجراء المحاكمة عن بعد الى نصين قانونين الأول من مجلة الإجراءات الجزائية والثاني من مجلة مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال .

النص الأول هو الفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية الذي دخل حياز النفاذ اثر تنقيح المجلة بواسطة مرسوم صادر عن رئيس الحكومة وهو المرسوم عدد 12 لسنة 2020 مؤرخ في 27 أفريل 2020 يتعلق بإتمام مجلة الإجراءات الجزائية وتم التنقيح استنادا الى القانون عدد 19 لسنة 2020 المؤرخ في 12 أفريل 2020 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا “كوفيد –19

وينص الفصل 141 (مكرر) من المجلة انه يمكن للمحكمة أن تقرر من تلقاء نفسها أو بطلب من النيابة العمومية أو المتهم، حضور المتهم المودع بالسجن بجلسات المحاكمة والتصريح بالحكم الصادر في شأنه، باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري المؤمنة للتواصل بين قاعة الجلسة المنتصبة بها المحكمة والفضاء السجني المجهز للغرض، وذلك بعد عرض الأمر على النيابة العمومية لإبداء الرأي وشرط موافقة المتهم على ذلك. ويجوز للمحكمة في حالة الخطر الملم أو لغاية التوقي من إحدى الأمراض السارية أن تقرر العمل بهذا الإجراء دون التوقف على موافقة المتهم المودع بالسجن.

وجدير بالذكر أن المرسوم المنقح لمجلة الإجراءات الجزائية لم يقع المصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب كما ينص على ذلك المبدأ الدستوري إذ ينص الفصل السبعون من دستور 2022على انه » لمجلس نواب الشّعب أن يفوّض لمدّة محدودة ولغرض معين إلى رئيس الجمهورية اتخاذ مراسيم يعرضها على مصادقة المجلس إثر انقضاء المدة المذكورة .

أما النص القانوني الثاني الذي اعتمدته المحكمة فهو الفصل 73 من قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال و الذي ينص على انه » يمكن لقاضي التحقيق أو لرئيس المحكمة في حالات الخطر الملمّ وإن اقتضت الضرورة ذلك إجراء أعمال البحث أو الإذن بانعقاد الجلسة بغير مكانها المعتاد مع اتخاذ التدابير اللازمة لضمان حق المتهم في الدفاع عن نفسه. ولهما أن يقرّرا استنطاق المتهم وتلقي تصريحات من يَرَيَان فائدة في سماعه باستعمال وسائل الاتصال السمعية البصرية الملائمة دون ضرورة لحضور المعني بالأمر شخصيا .

وتتخذ حينئذ التدابير الكفيلة بعدم الكشف عن الأشخاص الواقع سماعهم . .

وواضح أن المحاكمة عن بعد وبالنظر الى النصين المذكورين تستند الى سببين مختلفين السبب الأول يتعلق بخطر العدوى الناشئ عن وباء مثلما كان الأمر مع وباء الكورونا وهو أمر زال خطره بزوال الكوفيد 19 أما السبب الثاني وهو الذي تعللت به المحكمة فهو وجود خطر حقيقي وهو امر غريب لسببين أولا لأنه لم يعرف عن المتهمين انهم من الإرهابيين اذا كان ابسط تعريف للإرهاب هو » استعمال العنف لأغراض سياسية » إذ لم يعرف عنهم انهم مارسوا أو يمكن أن يمارسوا أي شكل من شكل العنف او يستغلوا جلبهم الى المحكمة لتنظيم عملية فرارا بواسطة أعوان لهم خارج السجن فالشخصيات المسجونة هي شخصية سياسية وحقوقية معروفة. فمن الغريب أن يخشى منهم أي خطر موهوم تتوقى منه المحكمة وثانيا لان محاكمات الإرهابيين الحقيقيين المتورطين فعليا في اغتيال شكري بلعيد ومحمد الابراهمي جرت كلها الى حد الآن بإحضار المتهمين الى قاعة المحكمة أو على الأقل جلب من قبل منهم الحضور ويبدو عن المحكمة للتغطية على غرابة الإجراء في ما يخص قضية التآمر سحبته على بقية القضايا المتعلقة بالإرهاب من باب الإيهام بان المسالة لا تعني قضية بعينها بل هي إجراء عام لا يقصد به جهة دون جهة أخرى .

هل هي سياسة تكميم الأفواه؟

ومن المرجح أن صيغة المحاكمة عن بعد وراءها غايات غير معلنة فهي تتضمن إمكانية عدم الكشف عن الأشخاص الواقع سماعهم كما تريد هيئة المحكمة تجنب اية مواجهات يمكن أن تحدث بينها وبين المتهمين في حالات «الوجه لوجه » مع إمكانية التسجيلات الصوتية المباشرة ل « مرافعات » المتهمين والتي لا شك أنها ستكون في عمق مرافعات لسان الدفاع خاصة بالنسبة الى المتهمين المنتمين لقطاع المحاماة مثل الأستاذ رضا بلحاج و الأستاذ غازي الشواشي الموقوفين وغيرهما من غير الموقوفين أو الى اختصاص القانون في الجامعة التونسية مثلما هو الحال بالنسبة الى جوهر بن مبارك وهو خطيب بارع بليغ و مفوه.

إن حدوث أية مواجهة امر يزعج السلطة مثلما كان يزعجها التداول في شان القضية قبل المحاكمة من خلال ما كان يذيعه المحامون من معطيات حولها وتأكيدهم على خلوها من أي إثباتات أو حجج قد تمثل سبب قانونيا مقنعا لسجن مجموعة من الأشخاص المعارضين وتناقل وسائل الإعلام لهذه التصريحات وما يصاحبها من حوارات مع هيئة الدفاع.

ومن شبه الأكيد أن الخوف من المواجهة « وجها لوجه » وبحضور جميع الأطراف وهي أساسا ثلاثة القضاء ممثلا في الهيئة الحكمية و النيابة ولسان الدفاع والمتهمين يضاف الى ذلك بلا شك عائلة المتهمين وما قد يمثله حضور المتهمين من ذويهم من توتر خاصة والكثير منهم يرون المتهمين ربما لأول مرة وفي حالة لا احد يعلم تفاصيلها على وجه التحديد.

و تجنب هذه المواجهة وإرادة التعتيم بكل الأشكال على وقائع المحاكمة هما ما يؤكدهما تقرير الرابطة التونسية لحقوق الإنسان التي ذكرت في بيان لها أنها وفي إطار مراقبتها لمجريات جلسة محاكمة المتهمين في قضية التآمر، قد زارت القاعة المخصصة للمحاكمة عن بعد في أحد السجون، حيث لاحظت أن المتهم في هذه الجلسات لا يرى إلا هيئة المحكمة وممثل النيابة العمومية والكاتب والمتهمين الجالسين في الصف الأول حضوريا داخل قاعة المحكمة، فيما يحجب عنه البقية الحضور، بما في ذلك هيئة الدفاع والصحفيين والمراقبين. كما لاحظت أن المتهم لا يستطيع التفاعل آنيا مع المحكمة أو الدفاع عن نفسه بحرية، حيث يجب أن يطلب الإذن من الموظف المشرف على العملية والذي بدوره يطلب الإذن من المحكمة، مما يؤدي إلى تعطيل تدخله وتعقيد ممارسة حق الدفاع، كما قد يتسبب في تفويت فرص جوهرية للرد على التهم، أو سماع المتهم لأمور حاسمة دون أن يتمكن من التفاعل معها فورا. وأفادت بوجود خروقات جوهرية مست ضمانات المحاكمة العادلة كما يقرها الدستور التونسي والاتفاقيات الدولية المصادق عليها.

وهكذا وبهذه لصورة المنقولة عن رابطة حقوق الإنسان يضيع حق المتهم في المواجهة العلنية مع الأدلة والشهود، وحق الدفاع في تقديم المرافعة دون قيود إجرائية غير مبررة وفي ظروف عمل لائقة.

ومبدا المواجهة هذا مبدا أصيل وجوهري من مبادئ المحاكمة العادلة فهو ينبع من النظام القانوني الخاص و العام و يعتبر شرطا من شروط حق دفاع المتهم عن نفسه حضوريا اذا بلغته الدعوة وقبل بالحضور بقاعة المحكمة وحق لسان الدفاع في النيابة عنه وبغير ذلك لا تتوافر للأطراف خصومة عادلة فإن تمت مخالفة ذلك كان النزاع أو المحاكمة باطلين .

هل للمحاكمة عن بعد صلة بطبيعة الملف ؟

يؤكد لسان الدفاع في قضية التآمر أن اختيار هذه الصيغة من المحاكمة بما تعنيه من التعتيم والسرية حتى لو كانت نظريا هي محاكمة علنية لها صلة بما أكدته مرارا وتكرارا بان الاتّهامات الإرهابية الموجّهة الى المتهمين تقوم على ملفات فارغة، ولا تحتوي على أيّ أدلة منذ سنتين ، فبعض المتهمين متهمون بالتخابر مع الأجانب والحال أنّ القضاء قد أصدر بلاغا نزّه فيه الأجانب. فباي منطق يتهم طرف أول ويبرأ طرف ثان اذا كان التخابر لغة ومنطقا لا يقوم إلا على وجود طرفين .؟ وتفيد المعطيات التي نشرها المحامون أن شخصا مخفي الهوية تقدم بوشاية للنيابة يعلمها فيها بتلقيه مكالمة هاتفية من قريبه في بلجيكيا يعلمه فيها بأن تونسيين هناك يتحدثون في المقاهي عن مؤامرة لقلب نظام الحكم، وأن قريبة كمال اللطيف كانت تجتمع في مقر السفارة التونسية في بروكسيل بدبلوماسيين وأمنيين للتآمر على امن الدولة ، وأن قريبته في بريطانيا أعلمته بأن أحد معارفها في الولايات المتحدة أعلمها بوجود ترتيبات لعقد لقاء مع عراب الانقلابات في المنطقة برنار هنري ليفي.

وبناء على هذه الوشاية لا اكثر تم اعتقال عدد من قادة المعارضة، وبالتفتيش في هواتفهم عثر على محادثة بين خيام التركي ودبلوماسية أمريكية تطلب فيها التعرف على جوهر بن مبارك وشيماء عيسى، فيتم اعتقال المناضليْن السياسييْن بتهمة التخابر مع جهات أجنبية. قبل أن يتم التراجع عن هذه التهمة بالنسبة للدبلوماسيين الأجانب والإبقاء على المتهمين في السجن.

ويشار إلى أنّ هيئة الدفاع عن الموقوفين في ما يعرف بـ « قضية التآمر على أمن الدولة، » قد قدّمت شكايتين لدى النيابة العمومية باسم منوبيها، الأولى المقدّمة ضدّ وزير الداخلية السابق، تتعلّق باستعمال الهاتف الشخصي لشيماء عيسى وإرسال رسائل إلى بعض النشطاء رغم أنّها كانت وقتها في السجن قبل ان يطلق سراحها والشكاية الثانية تتعلّق بفتح تحقيق ضدّ وزيرة العدل في « التدليس والتزوير الطارئ » للوثيقة الأصلية التي انطلقت منها الأبحاث في هذه القضية.

ومن شبه الأكيد أن تصريحات المحامين وتناقلها من قبل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مكثف مثلت عبئا على السلطة السياسية المتهمة بالتدخل في الشأن القضائي في ظروف تثار فيها كثير من الشكوك حول استقلال القضاء في تونس بحسب بيانات جمعية القضاة نفسها سواء على مستوى النيابة أو التحقيق أو الدوائر الحكمية . فمن اللافت للنظر أنه منذ إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد مجموعة من القادة السياسيين لم يتقدم حاكم التحقيق خطوة واحدة في مستوى أبحاثه وتحرياته قبل ختمه للأبحاث بل انه لم يستمع إلى بعض الموقوفين منذ صدور بطاقة الإيداع ضدهم مثلما هو الأمر بالنسبة إلى الأزهر العكرمي قبل اطلاق سراحه بحسب ما صرح به المحامون كما تنتشر أخبار تؤكد أن حاكم التحقيق فر الى الخارج مباشرة عقب نشره لقرار ختم البحث .وهو ما يرجح فرضية أن الملف فارغ وان أحسن طريقة لردم القضية كان في مرحلة أولى منع التداول بشأنها إلى حين إحالة المتهمين على الدائرة الجنائية بغرض كتم أنفاسها إعلاميا ،على وسائل التواصل الاجتماعي والفيسبوك خصوصا ثم في مرحلة ثانية جعلها تجري عن بعد إتماما لمحاولة التعتيم اكثر ما يمكن على مجرياتها .

وجدير بالذكر أن المحامي سمير ديلو، اكد يوم السبت 1 مارس 2025، انه رفع، ، بمعية المحامي، أحمد صواب، قضيتين أمام المحكمة الإدارية بتونس في علاقة بالمحاكمة التي جرت أولى جلساتها الثلاثاء 4 مارس 2025، عن بُعد، في » قضية التآمر».وأوضح ديلو، في تصريح لوكالة (وات)، أنّه تمّ نيابة عن عدد من المتهمين في قضية التآمر، إيداع قضيّة أولى في إلغاء عقد المحاكمة عن بُعد وتعلّقت القضية الثانية الإستعجالية، بتأجيل وتوقيف تنفيذ المحاكمة.

ومن المستبعد جدا أن تستجيب المحكمة الإدارية لطلب هيئة الدفاع سواء بتأجيل المحاكمة أو الغائها فقد نص الفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المذكور أن القرار الصادر عن المحكمة باعتماد وسائل الاتصال السمعي البصري غير قابل للطعن بأي وجه من الأوجه .

كما يجدر التذكير أن لسان الدفاع وبعض المتهمين مثل نجيب الشابي وعصام الشابي عبروا بعد عن رفضهم المشاركة في أي محكمة عن بعد اذا أصرت المحكمة على إجرائها بهذه الصيغة.

مقابلة « غير رياضية »

فما الذي ينتظر هذه المحاكمة اذا أصرت المحكمة على إجرائها عن بعد واصر المتهمون ولسان الدفاع على رفضها مما سيؤدى الى مقاطعتهم لها ؟ .

هل نحن مقبلون على محاكمة هي الأغرب في تاريخ القضاء التونسي بل القضاء في العالم باسره: محاكمة بلا متهمين ولا محامين ولا شهود تجري كمقابلة »غير رياضية » »وي كلو » يلعب فيها فريق واحد مع نفسه أو ضد نفسه وله بعد ذلك أن يسجل من الأهداف ما يشاء أمام شباك فارغة . وقد تصل هذه الأهداف المسجلة في شباك الخصم بلا حارس الى عدد لا يعلمه غير من قرر اللعب بهذه الطريقة تجنبا لاي مواجهة مع الفريق الخصم؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات