رغم كلّ المسوح المدني والقشور الحداثويّة لا تزال ثقافة البيعة والاحتكار والحكم الشمولي والتّوريث تقود العقل السياسي والجمعيّاتي في بلد الثّورة والدّستور التحرّري ...
رئيس حدّد له الدّستور صلاحيّات ليست هيّنة وهو يخطّط منذ تولّيه المنصب لتوسيع صلاحياته بالاستحواذ على صلاحيات خوّلها الدّستور لغيره ... يتذاكى ويتحاذق ويتفاصح ويخاصم ويخوض معركة شعواء يعطّل فيها دواليب الدّولة من أجل قلب كامل المنظومة ليتربّع على عرشها رئيسا بجميع صلاحيّات النّظام الرّئاسويّ بنفس الدّستور الذي أبّد الرّئاسة مدى الحياة ... ...
حزب أغلبي يناور رئيسه باعتباره الزّعيم الأوحد الذي لا بديل عنه من أجل التّمديد لانتصابه رئيسا في خرق للقانون الدّاخلي والذّوق السياسي السّليم وطابور الأجيال المحالة على العطالة السياسيّة ضمن منظومة إدارة شديدة المركزة المؤسّسات فيها مجرّد أطر شكليّة ... ورغم الالتزام المعلن باحترام القانون لا يزال البعض يناشده ويسوّق لشعار المؤتمر سيّد نفسه وعدم وجود البديل المكافئ للزّعيم …
منظّمة وطنيّة تغالب قواعدها وتتحدّى الوضع الوبائيّ لعقد مؤتمر عاجل من أجل فرض التّمديد الآلي لمكتبه التّنفيذي بإسقاط الفصل الذي ينصّ على التّداول من خلال بتحديد دورات الترشّح في تكريس قبيح للأمر الواقع على حساب الدّيمقراطيّة في منظّمة هي سليلة النّضال الوطني ومقارعة الاستعمار ...
ثقافة التّمديد والتّوريث هي امتداد لثقافة البيعة في أسوأ مظاهرها السّلطانيّة القديمة التي عرفتها السياسة الشرعيّة في العصر الوسيط ... والتي يبدو أنّ العقول التي تدير الشّأن العام لم تتخلّص منها رغم كلّ مظاهر الثّقافة السياسيّة المدنيّة والمسار الدّيمقراطيّ الذي أفضت إليه ثورة الشّعب …
تواصل تحكّم هذه الثّقافة في الفعل السياسي والجمعياتي هو من بقايا الزّمن السياسي القديم زمن الاستبداد الشّرقي الذي يفترض أن تكون ثورة الحريّة والكرامة إعلانا عن نهايته وبداية عصر جديد عنوانه السياسة المدنيّة …