المعطيات التي تحفّ بالجرائم البشعة تشير إلى أنّ الكثير من مرتكبي تلك الجرائم هم آخر حلقة من حلقات الجريمة، هم أدوات تنفيذ لتلك الجرائم، هم مسؤولون قانونيّا وجزائيّا عن تلك الجرائم، لكن هناك مسؤوليّة أخرى أوسع واشمل موزّعة على جهات متعدّدة،
قيمة هذا التّحليل الذي تثبته الوقائع والسّير الذّاتيّة للمجرمين أنّه يفضي إلى أنّ القضاء على الجريمة لا يكفي لتحقيقه ردع مقترفيها بزجرهم والتّغليط في عقوباتهم بل كذلك يجب القضاء على أسباب الجريمة التي يجب البحث فيها وتحديدها … مسارن متوازيان لكنّهما متكاملان ولا غنى لأحدهما عن الآخر لتحقيق السّلم الأهلي وحماية الأرواح والحرمات والأعراض والممتلكات وكرامة النّاس.
ارتكاب الجرائم ليس دائما مؤشّرا على نفوس جبلت على الشرّ أو غلبة هوى بل قد تكون مؤشّرا على حالة من العدميّة والعماء وتبلّد الشّعور الإنساني وضعف الارتباط المرجعيّة الأخلاقيّة والقيميّة، حالة من فوضى الحواسّ والمعايير صنعتها معطيات الواقع لا تنفي المسؤوليّة القانونيّة عن مرتكبي الجرائم.
لكن لا يجب أن تخفي السياقات والمسارات التي تشكّلت فيها مناخات الجريمة ودوافعها ومختلف المساهمين في ذلك … ربّما ليسوا مجرمين بالمعيار القانوني لكنّهم شركاء في الجريمة بمعايير علوم التربية والتنشيئة والدّراسات السوسيولوجيّة والنفسيّة والاقتصاديّة …
ربّما أفضى البحث أنّ كثيرا منّا بشكل مباشر أو غير مباشر شركاء في هذه الجرائم وإن لم تقترفها أيدينا …