ليس المهمّ أن يسقط واقعا طالما لم يسقط في العقول ... لن يسقط حتّى تحصل قناعة راسخة واقعيّة ملموسة لا نظريّة فقط لدى المجموعة الوطنيّة بكلّ مكوّناتها بأنّ تحقيق مطالبها في التنمية والرفاه الاجتماعي والحريات لن يتحقّق في ظلّ الدّكتاتورية وإن تحقّقت جزئيّا ...
لن تتحقّق الدّيمقراطيّة إلّا بعد اليأس الكامل والنّهائيّ من إمكانية أن تكون الدّكتاتورية حلّا لأزمات الواقع السياسي والاجتماعيّ ... والتيقّن من أنّ ما لم تحقّقه الدّيمقراطيّة المتعثّرة لن تحقّقه الدكتاتورية مهما تسلّحت بعناصر القوّة …
هذا اليأس من الدّكتاتورية لن يتحقّق إلّا بمعايشة آثار فشلها الملموسة على حياة النّاس …
لم تصبح الدّيمقراطيّة بكلّ شوائبها ونواقصها منظومة راسخة في دول الغرب إلّا بعد أن عاش النّاس في ظلّ الدكتاتوريات الاحتراب الأهلي والفوضى الاجتماعية والفقر والجوع وانتهاك الحقوق والحرمات ... فاستقرّت القناعة أنّ الدّيمقراطيات أقلّ المنظومات سوءً فعملوا على تطويرها و تحصينها من داخلها …
هل يجب أن تعيش شعوبنا نفس المسار لتدرك قيمة الدّيمقراطيّة وتيأس بشكل نهائيّ من الدكتاتوريّة ؟
لا نتمنّى ذلك لبلدنا ... ولكن كلفة الاستبداد لم تصل الحدّ الذي يقلب وعي النّاس بشكل جذريّ ويبدّد لديهم أيّ أمل في دكتاتورية الرّجل القويّ المنقذ الحاكم بأمره فيصبروا على ديمقراطيّتهم ويتعهّدونها بالرّعاية والحماية لتزهر وتثمر قمحا وزيتا وحليبا وحريّة وتعايشا وسلما أهليّا …