الرسالة الأولى لأحد رموز النضال الوطني ضدّ الاستبداد الذي لا تزال كلمته في تحرّك اتّحاد الشغل تثير جدلا وسيلا من الخطاب الاتّهامي المتشنّج من طرف أنصاره وحزامه السياسي …
نعم " موش وقتو " ... ليس في ذلك اليوم فقط، بل على امتداد عشريّة كاملة كان فيها تحديد التناقض الرّئيسي والفرعي قائما على أسس مهتزّة أودت باليسار والبلد إلى هذا الواقع البائس ...
نفس معايير الفرز وتحديد الأولويات والتناقضات جعلت تيّارا مهما في حركة النضال الوطني ضدّ الاستبداد يتحالف بعد الثّورة مع أحد رموز المنظومة القديمة لينصّبه رئيسا لجبهة أطلق عليها اسم الإنقاذ لتدخل المنظومة القديمة بمختلف مكوناتها مسار الثورة من الباب الأوسع باب إنقاذ البلد من المنظومة التي أفرزتها أوّل انتخابات ديمقراطيّة في تاريخ البلد …
كلّ أخطاء تلك المنظومة بما في ذلك مسؤوليّتها السياسية والأخلاقية عن اغتيال رمزين من رموز المعارضة لا يبرّر اختلال تحديد التناقضات والأولويّات بين مسار الثورة ومسار إجهاضها ... يقولون بيننا وبين خصومنا دم ويجعلون من الدّم الذي لم يفصل القضاء بشأنه عنوان أولويّة سياسيّة على حساب ما سالت من أجله الدّماء على امتداد عقود النّضال الوطني ضدّ منظومة الاستبداد من أجل إرساء منظومة الحريّة والعدالة الاجتماعية ...
نعم ليس وقته ... ولم يكن وقته في أيّ محطّة من محطّات مسار الانتقال الدّيمقراطي لتحقيق أهداف الثورة ... بل فات وقت مقولة " موش وقتو " وتكاد تفقد مدلولها ونجاعتها السياسية
الرّسالة الثّانية لمن خرج أمس ليعلن " وبراءة الأطفال في عينيه " أنّه من المضحك الادّعاء أنّ تونس دولة عنصريّة ... فنقول له أنّ نظريّة الاستبدال الكبير نظريّة عنصريّة تفضي إلى وصم المهاجرين سود البشرة شرعيين كانوا أو غير شرعيين بالمجرمين الذين وقع استجلابهم من بلدانهم في إطار مشروع استيطاني بدأ منذ قرن !!! ليقع توظيفهم واستئجارهم بمقابل قصد تغيير التركيبة الديمغرافية للبلد ...
هذه النظرية العنصريّة التي وقع التّعبير عنها في خطاب رسميّ وضعت هؤلاء المهاجرين في مرمى الاستهداف من طرف المواطنين البسطاء الذين وقعوا ضحايا الرّسائل المباشرة التي تضمّنها الخطاب الرّسمي لأعلى سلطة في البلد في أعلى مجلس أمني للدّولة …
ويزيد صاحبنا الطين بلّة بزعمه أنّ هناك حملة ضدّ البلد بفعل فاعل تقودها جهات معلومة لديهم، والمقصود ضمنا المجتمع المدني المناهض للعنصريّة والمندّد بالخطاب الرّسمي تجاه الأفارقة السّود ...
زعم يعكس حالة الارتباك والإنكار وفقدان للبوصلة حيث كان يفترض والبلد يتعرّض لحملة دوليّة معارضة لما حدث من انفلات طيلة أسابيع أن يقع التنسيق مع هذا المجتمع المدني لا اتّهامه وإلقاء المسؤوليّة على كاهله وتبرئة من كانوا سببا في تأجيج الفتنة العنصريّة بين المواطنين والمهاجرين ووضع البلد في أزمة أخلاقية وسياسية واقتصاديّة مع قارّته وعمقه الحيويّ ...
هي دروس التّاريخ والجغرافيا والسياسة العمليّة نراها أمام أعيننا لا تحتاج الكثير من التنظير لاستيعابها لمن كان لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها …