عبارة قرآنيّة يستدعيها الرّئيس في خطاب التهنئة بالعيد قاصدا بها فئة من التّونسيين لم يحدّدها
والعبارة من الآية 9 من سورة البقرة وتحيل على أهل النّفاق الاعتقادي، لذلك أتبعها الرّئيس بوصف المنافقين دون تعيينهم وهذا من شأنه أن يزرع الشكّ بين أبناء البلد.
وللنفاق والمنافقين في العقيدة الإسلاميّة أحكام خاصةّ حيث كان للرسول وضع خاصّ مع المنافقين الذين شكلوا حزبا سريّا ومسجدا ضرارا وكانوا يظهرون ما لا يبطنون من كره للإسلام وتآمر على المسلمين، لكن الله المطّلع على ما في قلوبهم كشف حقيقة مرض قلوبهم لنبيّه وأمره أن لا يهتك سترهم لعموم المؤمنين إلّا شخصا واحدا هو حذيفة بن اليمان حيث أطلعه بشكل حصري على أسمائهم لقصد معلوم ومصلحة مقرّرة،
وبعد وفاة الرّسول كان بعض أفاضل الصحابة من فرط تقواهم يأتون إلى حذيفة ويستحلفونه ليطلعهم إن كانوا من ضمن القائمة خشية أن يكون في قلوبهم دخن أو مرض دون أن يكون لهم دراية بذلك.
وبقي النفاق مسألة مكنونة في القلوب لا يطَلع عليها إلّا مقلّب القلوب والعالم بأسرارها، لكن ورد في عدد من الآيات والأحاديث علامات وسلوكات يستدلّ بها على النّفاق دون تجويز المصادرة على ما في قلوب النّاس المتعيّنين ووصمهم بالنّفاق باعتباره أشدّ جرما وإثما من الكفر وعقوبته الأخروية أشدّ عقوبة من الكفر وهي الدّرك الأسفل من النّار.
فلماذا يوردنا الرّئيس هذا المورد وقد كانت تسعه اللغة والبيان وأعراف الخطاب السياسي لوصف أمراض السياسة والمجتمع التي يراها ويروم نقدها والتشهير بها وتوعّد أصحابها؟
لماذا نوظّف الخطاب الدّيني بكثافاته الدلاليّة الخاصّة والملتبسة في سياق إدارة الشّأن العامّ والسياسة المدنيّة التي لها معجمها وسجلات قولها ومنطقها ومنطوقها ومرجعياتها وطرق تنظيمها خاصة في سياق مناكفات واصطفافات وتدافع يحتاج أقصى درجات الوضوح والبيان؟
ويبقى العيد فرصة للتّصافي وإشاعة روح المحبّة والسّلام والأمل والتَسامح والرجاء في غد أفضل ونسيان الأحقاد والضّغائن ورسم الابتسامة على الوجوه لا التنابز والتنابذ والتّدابر والوصم والخصام…
عيد مبارك لكلّ التّونسيين والتّونسيّات رئاسة وحكومة وبرلمانا وشعبا ويبقى صراع الأفكار والسياسة قائما في إطار السّلم الأهلي والدّيمقراطيّة والوحدة الوطنيّة مهما كانت خفايا القلوب التي اختصّ الله بها ذاته العليّة حكمة منه ولطفا ورحمه بعباده.