مازالت بعض النّخب تتساءل إن كانت ثورة أم لا ثورة ، بعضهم يبالغ في الترذيل فيصمها بثورة البرويطة احتقارا للحدث الذي أطلق شرارتها والذي انطلق من عربة بائع استشعر ظلم الدّولة فأحرق جسده في سلوك يعبّر عن الإحساس بعدم جدوى الحياة في ظلّ الحقرة ،
هؤلاء يستبطنون في مخيالهم الثّوري المخمليّ أن الثّورة لا تكون ثورة إلّا إذا خرجت من مكتباتهم الخاصّة وصالوناتهم الثّقافيّة، ثمّ يلبّي الشّعب نداءهم وهم يقودون حراك الثّورة ويهندسون تفاصيله ، يتصوّرون أنّهم الحصان الذي يجب يقود العربة ، لكن العربة هي التي انتفضت .
البرويطة كسرت نمطيّة مخيالهم المشبع بالنرجسيّة والمونولوق المؤدلج بقوالب المناهج الجاهزة ، لذلك تفهم ما يعتريهم من حالات هذيان وهم يستحضرون حدث الثّورة الذي يعجزون عن استيعابه لأنّه مضادّ لبراديغمات تفكيرهم وانتظاراتهم من التّاريخ.
النّخب الوظيفيّة التي كانت في غالبها أدوات في منظومة الاستبداد لم تلتحق ولن تلتحق بثورة حرّرتها من وضع المهانة والتّبعيّة لأنّها وجدت نفسها على هامشها وأفسدت عليها طموحاتها وسفّهت تحاليلها السوسيوبوليتيكوأنطروبومورفيك عن الواقع !
هي ثورة رغم أنف مناهجهم وتحاليلهم وأطروحاتهم المثقلة بالإحالات المرجعيّة المرصّفة على الطّريقة المدرسيّة " السّكولاستيكيّة " ، هي ثورة بالمعنى الحرفي لدلالة الثّورة التي تبني منظومتها الجديدة على أنقاض المنظومة القديمة التي تصارع من أجل البقاء ولو بأعادة الانتشار داخل منظومة الثّورة ، وهذا كلّ جديد يصارع قديمه ويختار طريقة تصفية تركته ، وكلّ قديم يصارع جديده ويختار طريقة مراوغته والالتفاف عليه للمحافظة على جزء من مصالحه ومنافعه ،
هذا مسار كلّ ثورة وكلّ تحوّل اجتماعيّ يصعّد قوى اجتماعية جديدة ويسحب من القديمة سلطتها ووجاهتها ومنافعها ، وتختلف النّخب باختلاف الموقع الذي تختاره ضمن هذا التّدافع السّوسيولوجيّ …