إلى من يشكّكون في دموع وزير الصحّة ولم تحرّك مشاعرَهم ما تعبّر عنه من عاطفة صادقة ومعاني نبيلة: هذا الرّجل التقيناه في ظروف عصيبة حالكة لا يصمد فيها إلّا صفوة الرّجال وليس كلّ الذّكور رجالا، لقيناه في غمرة القمع والاضطهاد والتنكيل حيث كان التعذيب ألوانا وأشكالا ولم يضعف ولم ينكسر ولم نر له عينا دامعة بل كان "عصيّ الدّمع شيمته الصّبر" ولم نلحظ على وجهه إلّا الشّموخ والكبرياء في وجه جلّاديه وسجّانيه.
و رأيناه وهو يناضل ليواصل دراسته في الاختصاص الذي عشقه فيتسوّر جدران الكليّة ليواكب الدّروس حتّى اكتُشِف أمره ومنع من مزاولة بحثه الجامعي بقرار سياسيّ تعسّفي من أعلى سلطة قرار في الدولة زمن الاستبداد،ولكنّه لم يقبل بالتعسّف على حقّه في الدّراسة بل خاض إضرابا تاريخيّا عن الطّعام تجاوز الخمسين يوما ساندته فيه أكبر الجمعيات الطبيّة والحقوقيّة العالميّة،
ورفع بإضرابه الظّلم والحيف الذي لحق مئات من المساجين السياسيين الممنوعين من الترسيم في الجامعة، ثمّ عاد إلى الدّراسة وتوّج مساره بنجاح باهر ومناقشة رسالة التخرّج حيث أثنى أعضاء اللجنة على إصراره وشجاعته وقد واكبنا في كليّة الطبّ تلاوته المهيبة لقَسَم أبوقراط العظيم.
هذا الرّجل الذي لم نر له قطّ دمعا طيلة كلّ ما مرّ به من محن ومصائب وظلم وقهر وعسف وبقي صامدا صلبا صاحب عزم وعزيمة، يتهدّج اليوم صوته وتفيض محاجر عينيه فرقًا وإشفاقًا ممّا ينتظر أبناء وطنه من مصير مرعب لو تواصل عدم الالتزام بتوصيات الدّولة والجماعة العلميّة بوزارته،
سيكون محزنا ومهينا لو سجّل التّاريخ أنّ شعبا أنجز ثورة سلميّة أحدثت تحوّلات جيوستراتيجية نوعيّة غيّرت وجه المنطقة ووجهة الحاضر والمستقبل ولكنّه يعجز عن الالتزام بحجر صحيّ مؤقّت والصّبر على العزلة لحماية أرواح مواطنيه ومقدّرات البلد الذي يفتقد للبنية التحتية الصحيّة والاقتصاديّة القادرة على مواجهة الكارثة الجماعيّة والفاجعة الكبرى،
لمثل هذا تبكي العيون وتُذْلِلُ دمعا من خَلائِقِه التَّحْنَانُ والكِبْر.