يتبيّن اليوم أنّ الدّول الأقدر على الصّمود في وجه التّطبيع في المنطقة هي الدّول الدّيمقراطيّة، لأنّها تستمدّ شرعيّتها من إرادة شعوبها ولا تحتاج إلى ظهير خارجيّ لتثبيت وجودها وضمان بقائها، ستعمل الدّول المطبّعة على تخريب الدّيمقراطيّة التّونسيّة لإلحاقها بحضيرة المطبّعين،
التّطبيع أكبر من مجرّد جعل العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة مع دولة الاحتلال طبيعيّة بل هو اعتراف بوضع جيوستراتيجي يقبل بوصاية دولة الكيان المحتلّ على دول المنطقة وهو الدّور الموكول إليها بالوكالة عن دول الاستعمار القديم،
كنّا جميعنا نردّد في الجامعة أنّ تحرير فلسطين يمرّ عبر تحرير جميع العواصم العربية، شعار صحيح لكن نقطة ضعفه أنّ كلّ تيّار فكريّ وسياسيّ يريد أن يستأثر بتحريرها وفق رؤيته ومنهجه فلم تتحرّر بل بقيت رهينة الاستبداد الذي فهم اللعبة، ولا تزال المعادلة المختلّة قائمة حتّى في الدّول التي أنجزت ثورات.
لذلك فكلّ محاولات إضعاف الدّيمقراطيّة وتخريب التّعاقدات المنجزة في هذا البلد سواء من طرف الفاشيّة الصّاعدة وتوابعها أو الحزيّبات التي تلتقي معها بالفعل أو القوّة في أجندة الإقصاء والاستئصال تقرّب البلد إلى حتفه من خلال إخضاعه قسرا للشّروط الموضوعيّة التي تسوّغ خيار التطبيع،
قلناها سابقا ونكرّرها من منطلق استقراء الواقع لا التحيّز الضدّي أو السّاند:
لا ديمقراطيّة في هذا البلد بدون إسلاميين ولا إسلاميين بلا ديمقراطيّة، الدّيمقراطيّة هي السّبيل الوحيد والأوحد لفرز السّاحة السّياسيّة وهي الفيصل الوحيد بين مكوّنات هذه السّاحة الذي يحدّد بقاءها وانقراضها،
كلّ الأحزاب والنّخب التي سلكت مسار الالتفاف على الدّيمقراطيّة سواء داخلها أو خارجها تسرّب إليها الاضطراب والوهن والاهتراء وانفجرت من داخلها أو من خارجها ولفظها النّاخب والرّأي العامّ وأصبحت أثرا بعد عين،
لا يغرنّكم صعود الفاشيّة بسحنتها النّوفمبريّة القبيحة ولونها الشّعبويّ الفاقع في أكبر عمليّة سطو على تاريخ الحركة الدّستوريّة التّونسيّة، هي ظاهرة عرضيّة مصطنعة وإن استثمرت مشاعر الحنين للماضي والغضب من الحاضر، فيومها آت لامحالة عندما يجدّ الجدّ وتنفض ثورة البوعزيزي عنها غبار الخداع والمناكفات وتنتصر من جديد للكرامة والحقوق وأجمل شعاراتها: من الرديّف حتّى لغزّة الحقّوق لا تتجزّأ.