يتنازع النّهضويّون في ما بينهم حول هويّة مرشّح الرّئاسة هل يكون من داخلهم أو من خارجهم. الخلاف بينهم لا علاقة له بالكفاءة والبرنامج وحسن توزيع السلطة بين الرّئاسات الثلاث ، بل يقوده هاجس الموقف الإقليمي والدّولي من الإسلام السياسي وحجم تواجده المسموح به في منظومة الحكم ، وهاجس الوجود والاستمرار والبقاء وإن بضوابط وشروط مفروضة من الخارج،
يتحسّسون الموقف الخارجي باستبطان ذاكرة المحنة وثقافة المحنة ومتلازمة المحنة ويحدّدون خياراتهم بحسب الضّوء الأخضر الممنوح لهم والفيتووات المرفوعة ضدّهم وشهادات الرّضى المسداة،
طبعا هم وأنصارهم وعدد من المتابعين يعتبرون ذلك من باب الكياسة في السياسة والفطنة وحسن التّدبير والواقعيّة والتبصّر والتدرّج والترفّق والتلطّف بالتجربة التونسيّة وامتلاك الحسّ الاستراتيجي والعقل الاستشرافي والحكمة ومواطن الرّشد،
ينسى جميع هؤلاء أنّ كلّ ذلك هو على حساب سيادة البلد وإرادته العامّة و ديمقراطيّته الحرّة التي تقتضي التعبير عن إرادة سياسيّة وانتخابيّة حرّة يتحمّل النّاخب نتائجها سلبا وإيجابا ليمارس مواطنته كاملة ويتدرّب على حسن الاختيار.
من أدراهم أنّ الدّيمقراطيّة التي تفرز خيارات غير موفّقة لا يصلب عودها ويقوى وتفرز عوامل تحصينها ومناعتها من داخلها ؟
لماذا تبقى ديمقراطيّات المستعمرات القديمة تحت وصاية مستعمريها القدامى وتوجيههم وخطوطهم الحمراء والصفراء والخضراء ؟
لماذا يجب على الدّول الوطنيّة النّاشئة بعد الاستعمار أن يبقى دورها منحصرا في حماية مصالح دول الاستعمار القديم الجديد ؟
لماذا تكون مشاريعنا الوطنيّة مطالبة بتقديم الأدلّة والبراهين على حسن تتلمذها على المعلّم الغربي وتنتظر منه شهادة كفاءة في الدّيمقراطيّة وصكّ غفران في الحداثة والتقدّميّة ؟
الأجوبة كثيرة ومن أكثرها مأساويّة أنّ الآخر الوصيّ على دولنا وشعوبنا لم يعد آخر بل هو جزء منّا من خلال وكلائه ومندوبيه الذين هم جزء عضويّ من نسيجنا الوطني سواء بشكل وظيفي مباشر أو التقاء موضوعي.
من الحكمة إذا مراعاة المعطى الخارجي لكنّها حكمة تأكل من سيادتنا وإرادتنا وتخصي تجربتنا الدّيمقراطيّة عن مزيد تحصين نفسها باختبار فاعليها وتوفير الشروط الموضوعيّة والذّاتيّة للمناعة ضدّ أيّ انحراف يمكن أن يصدر عنهم .
هي حكمة خرقاء مشوّهة مزيّفة تأكل من سيادتنا وحقّنا في خوض تجاربنا والاستفادة منها لنحت كياننا وتأصيله في تربته وتقوية الذّات الوطنيّة ، هي حكمة خرقاء لأنّها مملاة وليست نتاج وعي ذاتيّ.