غير بعيد عن مشكاة الأنوار بكليّة الآداب منوبة على مرأى ومسمع من الإدارة وعدد من الأساتذة انتهك عدد من الطلبة حرمة قاعة النّدوات ومناقشة الأطاريح ومنعوا انعقاد ندوة علميّة عن الإسلام السياسي من تنظيم وحدة بحث الظّاهرة الدينيّة بالكليّة بسبب حضور السيّد علي لعريض وعبد الحميد الجلاصي من ضمن الجمهور المواكب للنّدوة، ثمّ تطوّر الأمر ليصبح اعتراضا على مضمون النّدوة نفسها ،
وقع إيقاف الندوة في بدايتها بقطع مداخلة الأستاذ محمّد الحاج سالم عن إشكاليّة مفهوم الإسلام السياسي باقتحام قاعة حسن حسني عبد الوهاب بالشّعارات والصّراخ والتهديد والاحتشاد بالقاعة ورفض تواصل الندوة قبل مغادرة السيد علي لعريض وبعد مغادرته جاء الدّور على السيد عبد الحميد الجلاصي ليقع هرسلته من أجل المغادرة ثمّ وقع إيقاف الندوة وتمزيق معلقاتها اعتراضا على المضمون والمحاضرين.
سلوك لا يمكن أن يوصف إلا بالفوضويّة والفاشيّة والعنف الذي يستهدف الحريّات الأكاديميّة في الجامعة التّونسيّة وحقوق المواطنة، لا ألوم الطّلبة فهم ضحايا عُصَابات الانتماء الأيديولوجي البائس الفقير الخالي من الوعي السياسي والحسّ المدني والسّلوك الحضاري وثقافة العيش المشترك.
لم يكن هناك دعوة شخصيّة للسيد علي لعريض ولا لغيره ، ولم يكن من المعقول لمنظمي النّدوة إخراجه عنوة من قاعة المحاضرة بسبب عدم رضى بعض الطلبة عليه، الجامعة فضاء عامّ وليس قلعة مغلقة " محرّرة " لتكون حكرا على فئات سكتريّة لا يدخلها إلّا من يحظى برضاهم، ولا يحقّ لأحد منع مواطن تونسي من مواكبة نشاط علميّ أو ثقافي معلن للعموم ، سلوك غير دستوري مخالف لأعراف الأكاديميّات والمجامع العلميّة.
كانت محاور النّدوة تهدف إلى تفكيك ظاهرة الإسلام السياسي وتحليلها تحليلا نقديّا بعيدا عن المعياريّة والأحكام المسبقة والجاهزة التي تهدف للدّعاية والدّعاية المضادّة، اختبار منهجي ومعرفيّ لإمكانية صياغة خطاب علميّ حول ظاهرة راهنة مثيرة للجدل والمناكفة وبيان مواطن الخلل والالتباس التي تنطوي عليها، لكن العقول الضيّقة التي حجبت عنها غشاوة الأيديولوجيا العمياء القدرة على التّفكير حالت دون فتح باب الحوار والنّقاش الحرّ المفتوح .
أحد الطّلبة واجهني بحماس الواثق " كليّة الأداب بمنوبة قلعة محرّرة عصيّة على الإخوان لن تمرّوا ! "، قلت في نفسي لا معنى لمروررهم من عدمه طالما نظراؤهم الذين يفكّرون بنفس الدّغمائيّة والوثوقيّة موجودون يقومون نيابة عنهم بنفس الدّور في تردّي المستوى العلمي والثّقافي والحضاري بجامعاتنا التي تقبع منذ عقود في المراتب الأخيرة للتّصنيف العالمي.
عندما تزكي نقابة الأساتذة انتهاك الحريات الأكاديمية وتشوّه ندوة علمية في رحاب الجامعة فلا تلم الطلبة المبتدئين!!! الغريب أنّ الأستاذة حياة اليعقوبي الممضية على البيان عضو في الوحدة ولها مشاركة في الندوة واكتشفت في آخر لحظة أن الندوة مسيسة !!!