حتّى لا نعيد إنتاج المأساة …
منذ مدّة وقع الكشف عن مثليّة ميشيل فوكو أو بيدوفيليّته وتحرّشه بأطفال تونسيين عند إقامته في تونس فدعا البعض لنبذ كتبه وعدم الاطّلاع على فلسفته وبحوثه في أركيولوجيا المعرفة …
دعوة مستغربة لو وقع النّسج على منوالها مع من نتّهمهم أو نشتبه فيهم أو ثبت عليهم ما يشين … فأكثر من نصف منشورات العالم في شتّى مجالات المعرفة والعلوم والآداب والفنون لم يخطّها من يفترض أنّهم أنقياء أطهار دون شوائب … بل كثير منهم يشتبه في مناصرتهم للنازية والفاشيّة والصهيونية والعنصرية والحركة الاستعماريّة والميزوجينيّة واليمين المتطرّف والإسلاموفوبيا ومن ذوي السير الذّاتيّة المليئة بما لا يعبّر عن قيم الفضيلة التي نادوا بها في مؤلفاتهم …
كنت ولا أزال من عشّاق فيكتور هوغو الذي كتب رائعته البؤساء وأحدب نوترودام ومذكرات محكوم عليه بالإعدام وثلاثة وتسعون فضلا عن أشعاره التي من بينها قصيدة بديعة تصوّر وفاة رسول الإسلام كأنّها تصدر عن مسلم … وعندما زرت باريس توجهت للبونتيون للوقوف أمام قبره المهيب … لكنّني تمنّيت لو أنّني لم أطلع على مواقف من حياته الشخصيّة لتبقى صورته ناصعة في وجداني …
وينطبق نفس الأمر على آخرين في تراثنا العربي والتراث العالمي قد نلقي بمؤلفاتهم لو حاكمناها بسيرهم الذاتية أو بما يلقى عليهم من تهم وشبهات …
أقول هذا الكلام في سياق التبريرات التي رافقت حجب كتاب بدعوى أنّ صاحبه مطبّع … بل يُقذَف في وجهك بالتبعيّة وصم مساندة مطبّع كالسّيف القاطع لحسم جدل حرية التعبير والنشر بالضّربة القاضية … دون تمييز بين الموقف من التّطبيع المفترض لكاتب والموقف من كتابه الذي يجب أن يكون متعلّقا بالكتاب ذاته تحليلا ونقدا وتقييما …
ملاحظة حول قصّة التّطبيع: " ترجم لصاحب الكتاب الذي لا يزال ممنوعا نصّ روائيّ إلى اللّغة العبريّة ونزل خبر الترجمة في جريدة عبريّة يحتفي بالنصّ المترجم نزّله صاحبه على صفحته وأثار موجة من الإدانة فحذفه معتذرا "
سواء استحقّ الإدانة بموقفه ذاك أم هي حالة عرضيّة هل تكون مبرّرا لفتح الباب لمصادرة الكتب والمنشورات بشبهات واتهامات تتعلّق بصاحبها ؟؟؟
التّشريع لمصادرة الكتب ومنعها تحت أي لافتة سيفتح الباب على مصراعيه لاجتهادات بوليس الفكر والثّقافة … يوما ما ستصادر الكتب بتهم الخيانة والعمالة واللّاوطنيّة والتخونج والإلحاد وانتهاك الأخلاق والذّوق العامّ والمسّ من المقدّسات …
بذلك نصنع بأيدينا وحشنا الذي سيلتهمنا لنعيد من جديد إنتاج مأساة فرانكشتاين مع وحشه المفترس …