هل مات محمّد الحنشي أم قتلته التجاذبات ودفنته السياسة؟

Photo

"إنّ الموت ليس هو الخسارة الكبرى ... الخسارة الأكبر هو ما يموت فينا ونحن أحياء" قال هذا محمد الماغوط في لحظة تفكّر وتدبّر، ولعلّ هذا ما قاله محمّد الحنشي وهو يُغادرنا بعد مُعاناة دامت أكثر من خمس سنوات.

صورة محمد الحنشي وهو على فراش الموت لا نرى فيها ما كان يرى ولا نسمع ما كان يسمع. نرى شفتان ترتعشان وتنفرجان أو هكذا تهيّأ لنا، وعينان مُغمضتان وذراع ممدودة. فسكرة الموت هي من أشد العواقب التي يواجهها الإنسان قبل رحيله عن هذه الدنيا، فهي تحمل الكثير من الآلام والمواجع التي تلفّ الإنسان من كل جانب ومن كل مكان، فمن جهة يشعر محمّد بالمرض والذي قد يكون السبب في موته، ومن جهة أخرى يشعر بالقهر وقلة الحيلة وعدم القدرة على المُقاومة.

لا نعرف في أية لحظة فارق الحنشي الحياة. لجنة شهداء وجرحى الثورة وحدها تعرف ذلك، فهي تابعت معاناته لحظة بلحظة وعدّت أنفاسه نفسا نفسا. وهي التي ستضع على قبره ورودا اصطناعية.

يقولون إن المقهور لا يفقد وعيه وإن طال ألم احتضاره. هو لا يرى الموت ولكن يسمعه في امتداد صوت الجلاّد. حدَّثونا عن نزعات الموت وسكراته، فهو مثل "غصن كثير الشوك، أُدخل في جوف رجلٍ، حتى إذا أخذتْ كلُّ شوكة بعرق ثم جذَبه رجلٌ شديد الجذب قطع ما قطع وأبقى ما أبقى". ماذا أحسّ محمّد الحنشي حين اخترق غصن القهر كيانه وسلب منه روحه، حين أدخلت الأحزاب السياسية شوكها في أعماقه وجذبت حتى قُطع ما قُطع؟ ماذا كان يرى: ما ترك خلفه أم القادم؟ هل رأى البوعزيزي أم القنّاص؟ هل رأى أمامه بؤرة ضوء أم نفق أسود؟ هل رأى ملَك الموت أم المرسوم عدد 97 الخاص بشهداء وجرحى الثورة ؟ هل ترامت إليه، وهو على فراش الموت، أصداء ما حدث في القصبة؟ إن وصلته، هل اندهش أم أعلن الموت كمداً؟ هل ضحك أم بكى؟ ما أصعب الموقف حين لا نستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة.

لكن لمَ اختار محمّد الحنشي الموت؟ هل هو الشوق إلى الخلاص المُعلن من شروط العيش على أرض يتصالح فيها الجلاّد والضحيّة؟ هل هي نهاية طواف؟ أم بداية سعي؟

يموت يوميا المئات وربما الآلاف لكن هناك موتات تترك أثرا في نفوس الأحياء لأنّها إلى جانب ألم الفراق فيها ألم القهر ووجع التهميش. هذا الألم هو الذي وهبنا إيّاه محمّد الحنشي قبل رحيله. هذه "الهبة" تجعلنا نشعر بالذنب وتدفعنا إلى الاعتذار عن تقصيرنا.

لكن هل بنشر صورة محمّد الحنشي والترحّم عليه نُكون قد كفّرنا عن تقصيرنا؟ وهل في طلب المغفرة اعتذار؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات