الأكيد أنّ مواقفنا مختلفة من معرض الكتاب كتظاهرة ثقافية يكثر حولها الجدل بسبب التجاذبات ومعارك التموقعات... والأكيد كذلك أنّ تقييماتنا لوضع "الكتاب" في تونس يراوح بين "آش نعملو بها الكتب؟" و"الكتاب ركن مكين للحضارة"…
اليوم كان المشهد يُخبر عن جيل قد يحسم الموقف ويُنهي الجدل.... جيل ما بعد الثورة صُنع في مناخات جديدة وتشكّلت شخصيته في سياقات غير سياقات التكميم والتجفيف والتجويف.
حقيقة كنت في منتهى السعادة وأنا أشاهد جحافل التلاميذ في اتجاه المعرض... حافلات من جميع أنحاء البلاد حلّ ركبها في معرض الكرم…
العائلة والمدرسة أهمّ مؤسسات التنشئة الاجتماعية وإعادة إنتاج القيم... وإن وقع الاستعاضة عنهما بالفايسبوك والشارع …
اليوم في معرض الكتاب تلاميذ مدرسة محمد بالي بصفاقس قدّموا عرضا مسرحيا أكّد من خلاله المربون والأولياء أنّ التنمية البشرية وصناعة الإنسان تبدأ من المدرسة.
أولياء رافقوا أولادهم وتكبدوا مشقة الطريق ومُدرّسين تركوا مشاغلهم وعائلاتهم في يوم عطلة حتى لا يحرموا التلاميذ من حقّ المشاركة في الأنشطة الثقافية…
مسرحية تُبسّط للأطفال معاني"العمل" (قصة النملة والصرصار) و"الأمانة" (حكاية أمّي سيسي) و"الثقة" (قصة حمراء حمراء).... بهكذا مُقاربات نبني جيلا يحترم قيمة "العمل" والإجتهاد ويبخّس الكسل والتواكل... جيلا يفهم أنّ خائن الأمانة يُعاقب وأنّ الغدّار وعديم الثقة غير جدير بالإحترام... وأنّ أمي سيسي لم يكن من حقها معاقبة القطّ وتقطع له ذيله وكان عليها الالتجاء للقضاء...
أحد الأولياء اصطحب ابنته إحدى بطلات المسرحية وكان معه ابنه (ثلاث سنوات)… قال لي "التمثيل موش الهدف المباشر ولكن المسرح يجعلها تتعوّد على المواجهة وتكسب الثقة في نفسها وتستطيع التعبير دون خوف أو خجل وهكذا تبني شخصيتها… ابني كذلك سوف يعمل مسرح".
تحية إكبار للمربّين والأولياء الذين انتصروا ولو بشكل مؤقّت على "الفايسبوك" و"الشارع"…