تحرير القرار السياسي/المجتمعي من هيمنة الأجندات الخارجية

Photo

جزء كبير من المجتمع التونسي تمثّله مسيرة 11 وجزء آخر تمثله مسيرة 13 والجزء الأكبر لا تعنيه 11 ولا 13 هو مُعتصم في البحورات والمهرجانات والعروسات يحاول أن يجد خرم إبرة لينسى بها الشقاء والتعب وقلّة الحيلة وانسداد الأفق ... هو هارب من واقع خيّب آمال الشباب وأحبط إرادة شعب وكرّس الإنشطار وأعاد إنتاج المنظومة القديمة بممارساتها وفاعليها…

مسيرة 11 ومسيرة 13 إعادة إنتاج لمعارك تاريخية بين شقّ المحافظة وشقّ العصرنة... بالنسبة لجماعة 11 هي حركة استباقية وثأر من التاريخ وفرصة لإعادة الإعتبار واخذ الكلمة وامتلاك الفضاء العام الذي حُرموا منه طوال نصف قرن، صحيح أنّ عدوّهم المُباشر هو بورقيبة (الزيتونيين) وبن علي (النهضة القديمة) لكن هم يعلمون جيدا أنّ اليسار بمشتقاته (ماركسيين وترتسكيين وبوكت وبارسبكتيف ووطد ونيو-ماركسيين...) هو من شرعن عملية إقصائهم من المشهد ونظّر لاستئصالهم ومارس ضدّهم الوشاية وقايض وباع واشترى وفاوض فوق ظهورهم... وهذا ما يُفسّر كرههم لليسار أكثر من التجمعيين والدساترة....

خروجهم في مسيرة حاشدة بشعاراتها ورمزياتها ورموزها وتنظيمها وتناسقها وانضباط أفرادها في ظاهرها دفاع عن الدين وعن الهوية (وإن كانت في جزء منها كذلك) وفي باطنها دفاع عن مربعات الحرية التي فتحتها الثورة واستطاع الإسلاميون بمختلف مشاربهم ملؤها وتعبئتها بألوانهم المُختلفة... وفي المسيرة إعلان عن عدم استعدادهم للتفريط في ما وقع تحريره وفي التحشيد تعبير عن قدرتهم الدفاعية (الهجومية أيضا) ... الرسالة واضحة "لن نسمح لكم بذبحنا مرّة اخرى" بسكين استيهام عداء التحديث والتقدمية ومبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل ....

بالنسبة لجماعة 13 بمكوناته المُختلفة يسار إشتراكي ويسار ليبرالي ويمين مُتطرّف أو من يُطلقون على أنفسهم "العائلة الديمقراطية التقدّمية" على وعي تام بأنّ الإسلام السياسي بصدد منافستهم مجالاتهم (السلطة والثقافة والمال) التي مثّلت بالنسبة إليهم حقلا للتمايز وآليات لفرض هيمنتهم على مؤسسات الدولة وابتزاز المُجتمع وتمرير مشاريعهم…

الإسلام السياسي في ثوبه الجديد (النهضة الجديدة) أصبح يُشاركهم "نمط العيش" ومنوال "التفكير" واكتسح "الفضاءات" التي كانت مُحرّمة (البرلمان والحكومة والهيئات الدستورية والبلديات والمال والأعمال)... الإسلام السياسي بات يحظى بثقة المنظمات الدولية ويُستشار كطرف وازن محليا وإقليميا وأصبح رقما يُقرأ له ألف حساب في المعادلات الجديدة لتوزيع السلطة من طرف المسئول الكبير... ولا مجال للتصدّي لهذا الزحف إلاّ بإرجاعه إلى مُربعاته الأولى لإعادة إنتاج مشروعيات الإقصاء والذبح... (كما فعل العسكر في مصر)…

تقرير بشرى في ظاهره دفاعا عن "الحريات الفردية" وعن منوال المجتمع وعن مكاسب المرأة التونسية... وفي باطنه بُندا في مشروع استراتيجي (محلّي وإقليمي) لصناعة آليات توزيع السلطة من اجل إعادة الإخوان إلى مربعاتهم: "الإسلام هو الحلّ" بما يتضمنه من عداء لمدنية الدولة ووطنيتها ورفض لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.... لإستعادة إشارة الضوء الأخضر لإنجاز المحرقة وحذف نصف المجتمع من المُعادلة... وتحويل وُجهة المسار الذي شارك الإسلاميون في تأسيسه وتهميش فكرة "الإنتقال الديمقراطي" وخنق كلّ صوت يرتفع مطالبا بتحرير القرار السياسي/المجتمعي من هيمنة الأجندات الخارجية…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات