"بابا سنفور"... وتقييم التقييم

Photo

جلسنا لتقييم الندوة التقييمية التي نضّمها "الزرّاع" بمناسبة الذكرى الخامسة للثورة. تحدّثنا عن الثغرات والنقائص في الشكل والمضمون وأجمعنا على أنّ "التجربة" الأولى لجماعة الزرّاع كانت نسبيا مُوفّقة خاصة وأنّ الموارد المادية كانت "على قدّها"، حيث فرض علينا الوضع المادي الاكتفاء بفضاء وفّره لنا أحد عناصر "جماعة الزرّاع" والتقشّف بالنسبة لاستراحة تناول القهوة والمرطّبات.

لكنّ هذا "بابا سنفور" شوّش الصورة وأدخل بعض الذبذبات السلبية على إرادتنا المُتفائلة. التدوينة التي وضعها على جداره الفايسبوكي لم تُعجب البعض ولم ترق للبعض الآخر، والمواقف راوحت بين الاستنكار والاستياء المشوبان بعدم فهم المُحرّكات والدوافع لفعل "بابا سنفور".

من هو هذا "بابا سنفور"؟ وما الذي أغضبه ؟ ولماذا كانت تدوينه حادّة وغاضبة؟ وما هذه قلّة الاحترام؟

هذه الأسئلة التي طرحها جماعة الزرّاع دون أن يتعمّقوا في الإجابة، حيث كانت تنقصهم المُعطيات أوّلا، ثمّ لم يكن ضمن جدول الأعمال البحث في هذه المسألة. فهي حسب رأينا إحدى التفاعلات المُنتظرة لعقل وجداني غاضب.

لكن أليس هذا "بابا سنفور" هو أحد "أولاد الحفيانة"؟ ألم يكن ضمن شباب القصبة وأحد أبرز وجوه معتصمي شوارع الثورة؟ نعم "بابا سنفور" يمثّل أديم الأرض وملحها، هو رمزا لشباب أراد وقدّم مهر ما أراد من دمه وحياته وشبابه، هو إحدى السواعد التي حملت معاول الهدم وهوت بها على النظام الذي تزعزع ذات سبعطاش وهرب رأسه ذات أربعطاش. "بابا سنفور" شاب ينتمي إلى قوى الثورة المغدورة ويتحرّك داخل فضاءات حفرها بأنامله ليكتشف أنّ "المُتحذلقين" من سياسيي العاصمة اغتصبوها واستولوا على ثمراتها.

نعم ! "بابا سنفور" ابن الشعب العميق يشعر بالغبن ويُعاني وجع الغدر المركّب، غدر الدولة العميقة وغدر الأحزاب العميقة وغدر النخبة العقيمة وخيانة الإعلام الأخرق ...هو شاب آمن بأنه صاحب الثورة وجاء للزرّاع لأنه اعتقد أنّه على أرضيتنا (هم) لا ظلم ولا غبن ولا غدر، يوم ذكرى الثورة المجيدة اتجه نحو أرضية "الرُجلة" و"جماعة" إنتاج القيم وسواعد بناء الوطن. جاء للزرّاع لأنه يرى نفسه فلاّحا من صلب فلاّح لا يُتقن غير مهنة الزراعة.

نعم ! "بابا سنفور" ورفاقه من شباب الثورة، يحلمون بأرض خصبة يُساهمون في حرثها ووضع نطفهم في رحمها ليس اغتصابا ولكن نكاحا شرعيا من أجل التناسل المشروع. قوى الثورة التي همّشتها "النخب القديمة" وغدرت بها "النخب الجديدة" بحاجة لحاضنة تحتويها وتستوعب جموحها، هي قوى (رغم ضمورها) تبحث عن أفق يتّسع لإرادتها، وسماء لا تحدّ من قدرتها على التحليق.

"بابا سنفور" جاء مُهرولا نحو أرضية الزرّاع "ليُعبّر" فوجد "ما تعبرشي". إنه اختار طواعية إحياء ذكرى الثورة المجيدة داخل فضاء جماعة الرأي الحرّ والكلمة المُتفائلة لكنه فوجئ بإجبارية الإنصات لتحليلات بعض من يُصنّفهم داخل خانة "المُتحذلقين".

نعم جريدة الزرّاع فضاء مفتوح لأصحاب الأقلام الحرة والكلمة المُتفائلة، لكن "بابا سنفور" لم يجد فسحة يمدّ فيها رجله ليستريح، إذ لم يُعطوه فرصة ليُعبّر عمّا يتموّج بداخله ويقول أنّ الحديث عن دم البعوضة أفسد الصلاة داخل معبد الثورة، وشعر أنّ الجالسين على منصّة الزرّاع من "نخب مُتعقّلة ومُتفقّهة" رغم اختلاف مذاهبها تسرق منه موطئ قدمه، وتحتكر منابر التعبير، وتُعطي لنفسها حقّ التكلّم والإفتاء باسم ثورته. هو لم يوسّطها ولم يوكّلها للدفاع عن استحقاقته ولا للتعبير عن انتظاراته. ونحن لم نتكبّد عناء السؤال عن همومه ولم نفهم حقيقة معاناته. ثار "بابا سنفور" وغضب وعاد إلى قواعده مُتحدّيا الجميع وقرّر أن "يعبّر" ليؤكّد أنّ الثورة المجيدة ليست أرضا بورا وإنّما رحمها خصب ورزقت أصحابها مواقع شتّى للتعبير والتحدّي وقال لا ! لمن ظنّ أنهم رفعوا في وجهه لافتة "ما تعبّرشي" وسرقوا منه حقّ التكلّم.

ولذا أظنّ أنّه على جماعة الزرّاع إعادة تقييم التقييم، لأنّ الفعل بدا لنا مُسطّحا ببُعدين اثنين: الشكل والمضمون، ولم ننتبه لأبعاد أخرى تتجه نحو العمق وتعكس روابط مُتشابكة وتفاعلات مُشتبكة. هذه الأبعاد غير المكشوفة للعين المُجرّدة وهي بحاجة لنظرة ثاقبة لها القدرة على الحفر، وعقول هادئة تمتلك الجرأة على التفكيك.

من هذا المُنطلق وبالاعتماد على التحليل السابق أنا عن نفسي أعتذر لـ"بابا سنفور" (الرمز وليس الشخص) رغم تجاوزه لحدود اللياقة، وأعبّر له عن أسفي لأننا لم ننتبه أنّ الثورة لها شبابها وكان يُفترض أن يكونوا في مُقدّمة الصورة، ورغم حرصنا على وجود جهاد الحاج سالم في مُقدّمة المُتدخّلين غير انّه بسبب تأخّره عن الحضور اضطرّ القائمون على الندوة تأجيل مُداخلته إلى ما قبل الأخير.

ولكن الأكيد أنّ جميع من جلس على منصّة الزرّاع يوم التقييم كانوا ولازالوا جزءا من مشهد 17-14 وأعطوا ولازالوا يعطون خلفية مُشرّفة لصورة الثورة المجيدة، والأكيد كذلك أنهم مثّلوا ويمثّلون كهول الثورة وأصحابها المُدافعين عن حدودها وحماة حماها، وأنّهم جنّدوا ولازالوا يُجنّدون أقلامهم وآراءهم ليهشّوا بها عن استحقاقات الثورة ومطالب الثوّار، وبالطبع لا نشكّك في أنّ لكلّ منّا مآرب أخرى.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات