منذ يومين لاحظت إكتضاض أمام بعض الأكشاك على غير العادة، اقتربت فهمت أنّها نقاط بيع وتعمير أوراق "البروموسبور"، شباب وكهول ومن الجنسين والشراءات بمبالغ مهمّة نسبيا.
صحيح أنّ الأمر عادي ومنذ عقود والناس عايشة على وهم البروموسبور ومن يربح المليون وصندوق سامي الفهري، هذه الممارسات تتواءم مع السيستام متاع "عصابة السّراق"...
لكن ألم يكن يُفترض أنّ ثورة شعارها "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق" تحدّ ولو نسبيا من انتشار هذه الظواهر؟
اليوم بالصدفة كنت مارة من الشارع إلّي يتقاطع مع شارع قرطاج كانت هناك حضبة كبيرة وطوابير وسيارات متوقفة على اليمين وعلى اليسار وفي وسط الكيّاس... فهمت أنّها نقطة لبيع الخمور "البيرة"…
كنت راكبة في سيّارة أجرة والسائق حالة حليلة يدخّن رغم أنه ممنوع وحاطط كاسات مزود ويغني ويزمّر وأنا نقول لروحي "إلّي طاح يقول تكربصت والسارح المشوم يكمّل سرحته وربّي يوصّلنا سالمين". وأي كلمة أو ملاحظة باش نقولها ممكن تتحوّل إلى عركة.
كيف وصلنا قدّام دبّو بيع الخمور كان يتمتم ويقول في كلام غير مفهوم ومن بعد كيف وقف باش نهبط جاء حريف من جماعة الدبّو باش يركب. قال له "البيرة لا".."بيرة ما تركبش"... وزاد القدّام وهبّطني في الدورة حتى لا يظطرّ ويركّب واحد من الجماعة إلّي في يدّهم ساشيّات "البيرة". خلّصتو وكيف جيت هابطة قال لي أحنا يجعلنا نسلّكوها مع ربي زيد نركّبو جماعة البيرة.
هذا السائق في الغالب أنه ليس من الناس إلّي تصلّي الصبح حاضر في الجامع ولا من الناس إلّي تحرص على صلاة الجماعة وصلاة التراويح... والأكيد هو ليس من الجماعة إلّي ذات يوم طالبوا بتطبيق الشريعة أو حلموا بدولة الخلافة أو من الجماعة إلّي كانوا يحملوا مشروع حضاري مرجعيته إسلامية... وهو زادة ما عندوش فايسبوك يكذب فيه على روحه... هو فقط ولد الشعب يحمل بين جنبيه ثقافة شعبية مقوّماتها إسلام تقليدي ولغة عربية تميل إلى الفصحى ... هو ربما تعلّم من جدّته أنّ المحلّ إلّي يدخل له الشراب تطير منه البركة وما تدورش به الملائكة. أو انّ جدّهم ترابه سخون وما يحبّش دخول الشراب للأماكن التابعة للزاوية متاعه...
السياسة دمّرت كلّ شيء وقتلت القيم الاجتماعية وشوّهت هوّيتنا.
طبعا هذا ليس تحاملا على السيدة النائبة لأنّ أي واحد منّا لو كان في نفس سياقاتها ربّما يتصرّف كيفها... هي اختارت أن توجد في تلك السياقات وهي لديها من العقلانية (التوافقية) ما يجعلها قادرة على تحمّل مسؤولية أفعالها ومواجهة تداعيات ذلك.
لكن أنا مستغربة من الناس إلّي خارج سياقات محرزية العبيدي وبعيدين عن ضغط "الإكراه السياسي". علاش تدافعوا؟ وعلاش تبرّروا؟ برشة نعرفهم منذ ثلاث سنوات كانوا يطالبوا بتطبيق الشريعة وكانوا مستائين من عدم إدراج فصل في الدستور يقول صراحة أنّ الإسلام هو المرجعية للتشريع التونسي...
برشة منهم شهّروا بالأستاذ محمد الطالبي ونشروا له صورة وأمامه دبّوسة "بيرة" وقالوا كيفاش يدّع أنّه مفكّر إسلامي وهو يقارع الخمر... واليوم اصبحوا يفتوا ويبرّروا في مسائل غير خاضعة لا للفتوى ولا للتبرير.
بطّيخ عقلية.