سلوكات الشعوب تتأثر بالسياقات التي تتحرّك بداخلها....

Photo

أحد المتدخّلين في مسامرة تقديم "الحالة الدينية في تونس 2011-2015" استشهد بواقعة حدثت في ألمانيا قال "مرّة القطار تأخّر ساعتين، في لحظة قدوم القطار اندفع الركاب نحو الأبواب في حالة فوضى وهمجية يُشبه ما نشاهده في الهند أو في تونس أو في مصر حين يفتح القطار أو المترو أبوابه"....

الفكرة الرئيسية من هذه الطرفة أنّ سلوكات الشعوب تتأثر بالسياقات التي تتحرّك بداخلها.... فليس هناك شعوب غير مُتخلّقة وشعوب مُتخلقة.

التونسي لمّا يأخذ الرشوة أو لا يحترم إشارات المرور أو لا ينتظر دوره في الطابور ليس لأنّ عناصر الشخصية الأساسية التونسية هي المسؤولة عن هذه السلوكات وهي بالضرورة تؤدّي إلى هذا النمط من الممارسات ولكن لأن السياقات التي يعيش بداخلها التونسي هي التي تدفعه لأن يكون مُرتشيا ومتواكلا وأنانيا وانتهازيا وفوضويا....

التونسي يبقى بالساعة ينتظر وسائل النقل العمومي التي لا تأتي أبدا في وقتها، التونسي يعيش ضغط المرافق العمومية التي لا تؤدّي دورها في الرعاية والتضامن ولا تُقدّم للمواطن ما يجعله مطمئنّا على حياته وحياة أولاده ومستقبلهم... التعليم الذي يتلقّاه التونسي لا يُركّز على قيم العلم والعمل والإجتهاد وحبّ الوطن... الإعلام يتحرّك داخل سياقات تتحكّم فيها لوبيات المال والسياسة وبالتالي النتيجة هي إعلام مأجور ويشتغل بالوفقة.

رجال التعليم يعملون داخل ظروف غير مريحة ماديا ومعنويا ولا يُمارسون مهنتهم وهم مُقتنعون بالمقررات التي يُقدّمونها للناشئة إضافة إلى وضعيتهم المادية التي تدفعهم نحو الدروس الخصوصية....

البوليسية ظروفهم حدّث ولا حرج.... الأطباء يمارسون مهنتهم داخل مستشفيات لا يتوفّر فيها الحدّ الأدنى من الموارد ... المتديّنون تأثّروا بتصورات رسّختها منظومة تعليمية ودينية توظّف الدين لتحقيق مصالح سياسية وتمايز اجتماعي...

الخلاصة: الأحكام التي نُصدرها أو يُصدرها بعضنا في حق هذا القطاع أو ذاك أوفي حقّ هذه الفئة أو تلك لا يجب أن تتجاهل السياقات -السياسية والإقتصادية والاجتماعية والتشريعية- التي يتحرّك بداخلها الأفراد أو المجموعات... والتحليل الذي يجتثّ ظاهرة ما من سياقاتها ويقرأها مجزّأة هو بالضرورة تحليل منقوص وقراءة لا تُترجم الواقع…

معالجة ظاهرة اجتماعية معينة لا تكون بتحليل سلوكات الأفراد وتصوراتهم ومعارفهم وإنما أيضا بتفكيك السياقات التي يتحرّكون بداخلها... التونسي لو ينشأ داخل نفس السياقات التي ينشأ بداخلها السويسري والألماني والكندي... أكيد سيكون "مواطنا" مُلتزما بالأخلاق التي جاء الدين الإسلامي ليتمّمها... فالدين لا يصنع شعوبا مُتخلّقة ولكن الأخلاق تصنع شعوبا مُتدينة…

إنما بُعث محمّد ليتمّم مكارم الخلاق…

﴿مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا قَالَ: لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ ))...

فالأمانة والعهد أخلاق سابقة للإيمان والدين…

﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)﴾

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات