لست مع يوسف الشاهد ولا أرى في طريقة إدارته للشأن العام الخير كلّه ... لكنه أيضا ليس الشرّ كلّه.... حين نلتزم الموضوعية والحياد العاطفي/الأيديولوجي فهو أفضل رئيس حكومة لما بعد الثورة (خطابا وأداء.( وهذا بالطبع لا يعني أنّه الأنموذج المثالي أو الرجل المناسب للمرحلة... وحكومته لا تعكس انتظارات "الشعب يريد".
هو في خطابه يُعلن مُحاربة الفساد ولا ندري إن كان يُضمر عكس ذلك (ولعلّ بعضنا مُتأكّد من أنّه يُخفي غايات أخرى)… والزمن كفيل بتأكيد هذا أو ذاك، لأنّ الشعب لم يعُد لديه نفس القابلية للإستحمار.
كلّ ورقة تسقط من شجرة الفساد هو انتصار ولو مؤقّت "للشعب يريد" وبقدر ما تسقط الأوراق وتُقطع الفنون تتعرّى الشجرة ويسهل إقتلاعها .
واقعيا ليست لدينا خيارات مُتعدّدة فالتحالفات غير مُستقرّة والمواقف ليست ثابتة على حال ومن وثقنا فيهم ظهروا على مراد الله بعضهم كلّ يوم بخطاب وكلّ ساعة وعلمها وبراغماتيتهم دمّرت المشهد السياسي وسندت "القديمة" التي رجعت بقوّة… وبعضهم الآخر ضعيف ولا يستطيع مواجهة أخطبوط الدولة العميقة ولا حتى الإقتراب منها ولا يمتلك الجرأة للمواجهة الفعلية (الكلام دون الفعل(، وقوى الثورة بجميع روافدها مشتّتة وطغت على فعلها الذاتية والنرجسية فهي لم تتشكّل بعد والأسس هشّة ممّا سهّل عملية الإختراق والتشويش…
وفي الأثناء ليس من مصلحة البلاد كلّ سنة حكومة جديدة وكلّ ستة أشهر وزراء جدد وكتّاب دولة ومدراء يفسخوا ويكتبوا من جديد.
بعد الثورة دخلنا في دورة جديدة من الفساد السياسي والمالي بشرعيات المشاريع والتمكين والإكراه ولغة "تعشّى به قبل ما يتغذّى بك"….طغت سياسة المصالح الحزبية الضيقة والتوافقات المغشوشة والتحالفات الهشّة ودعه يعمل دعه يمرّ و"قدّاش نصيبي من الكعكة" وهات وخذ… وأعطيني ملفّ نعطيك ملفّ… وتورّي نورّي.
البراغماتية تعني بالفلاّقي أن نقف مع من "يقطّعنا الواد" حين يتوفّر فيه الحدّ الأدنى من الشروط وأهمّ شرط حسب رأيي ألاّ يكون من "القديمة" لأنّ ثورة 17-14 قامت ضدّ النظام وعمود نظام بن علي هو التجمّع بمؤسّساته وهياكله ومنظّريه وميليشياته وأعوانه وجزء كبير من التجمّعيين دساترة قدم ويسار مُتحوّل وإسلاميين انتهازيين…
إن كان يوسف الشاهد أعلن مُحاربة الفساد وهو يُضمر عكس ذلك… ندعمه في حربه حتى يتورّط ولا يستطيع العودة إلى الوراء فتنكشف محرّكاته الحقيقية (إن وُجدت( فإن كانت هذه المحرّكات غير متوائمة مع المصلحة الوطنية يكون قضى على نفسه نهائيا (خسر مساندة اللوبيات وخسر الدعم الشعبي).
خلّينا نمارس البراغماتية….. حتى تتوضّح الرؤية ويتشكّل مُجتمع مدني ضاغط وفاعل… لأنّ مواجهة الموجة الجديدة من الفساد (فساد مُشرعن ومُبرّر) لا تكون إلاّ ببناء مجتمع مدني وطني غير مرهون لمنظّمات دولية يتحكّم فيها المسئول الكبير….
طوفان الجمعيات والمنظّمات الذي عمّ البلاد لا يؤشّر على تشكّل مجتمع مدني قوي لديه القدرة على مواجهة الفساد المالي والسياسي والقيمي وإنّما هو "الدعم" الساند للفساد.