"مانيش مسامح" المفروض ان يكون شعارا يتضمّن موقفا ممّا حدث لحظة 17-14 (فعل الحرق والترمّد الذي كان مُمارسة مُقاومة لمنظومة سياسية وإدارية وأمنية فاسدة وغير عادلة وظالمة) وهو أيضا يُعبّر عن موقف سلبي من نظام بورقيبة وبن علي اللذان أنتجا ممارسات مُفسدة ومؤسّسات فاسدة ودولة مُنتجة للاعدالة ... هو تعبير عن إرادة مُتفائلة في إمكانية اللاّعودة إلى مربّعات تكميم الأفواه والقطع مع تقييد حرية الفعل وتزوير المشهد السياسي ومسرحة الممارسة الديمقراطية وتطويعها لخدمة مصالح فئة مُهيمنة على ثروات البلاد وخيراتها (المادية والرمزية.)
"مانيش مسامح" في معناه الموجب يعني حُلم شباب القصبة 1 والقصبة 2 (أصحاب الثورة الحقيقيين) بتونس دون فساد ولا مُفسدين ... تونس العدالة والمُساواة وتكافئ الفرص في الشغل والتعلّم والحياة الكريمة.
"مانيش مسامح" هو المطالبة بمُعاقبة من ندب وجه تونس من عصابات رؤوس أموال ورجال أعمال وكناطرية ومُهرّبين ومُرتشين ومُبيضين للمال ... وأيضا فضح وتعرية من خدش حياء تونس من سياسيين ومُثقّفين وجامعيين وموظّفين سامين وإداريين.
إذن ....."مانيش مسامح"... فلسفة وموقف وفعل مُحتجّ ومُقاوم.
للأسف ما شاهدناه في الشوارع في الحملة الأخيرة لـ"مانيش مسامح" هو حملة إنتخابية وقفز إلى الوراء وركوب على سقوط النهضة في فخّ البراغماتية غير المؤسّسة. وتوظيف لما راكمه حراك شباب ما نيش مسامح.
كان الأجدر بهؤلاء "المُعيّطين" الخروج للشوارع قبل تمرير القانون وليس بعده. وكان سيُحسب لهم تحرّكهم في ميزان حسناتهم السياسية لو عبّروا عن موقفهم قبل المُصادقة على القانون ... أغلبهم تغيّب على جلسة التصويت ومن حضر اكتفي بالفرجة. ومن بينهم من زغرد لحظة تمرير القانون لأنّه ضمن الفرار من الحساب والعقاب وأصبح بإمكانه مدّ كرعيه داخل المشهد السياسي دون خوف.
رمزيا:
أن يمرّ القانون ب117 مع و50 ضدّ رمزيا ليس كما مرّ ب 117 مع و9 ضدّ والغريب أنّ كلّ الضدّ من حركة النهضة. أحيانا الرمزيات أهمّ من الوقائع المادية. وقراءة النتائج تكشف الكثير من المسكوت عنه.
عن نفسي:
أنا "ما نيش مسامحة" قناعة ثابتة واعتقاد راسخ ويقين لا يدخله شكّ. حتى إن مرّ قانون تبييض الفاسدين.
فرائحة بخور جسد البوعزيزي لم تُفارقني لحظة وأصوات شباب القصبة لا يزال إيقاعها في أذني... ورقصات شباب سواعد واكبس والمصير والصمود والرخ لا ومانيش مسامح بقيت المشهد الأكثر حضورا.... ودم الكاموري ودم الأخوين سلطاني وصراخ المفروزين أمنيا في بن عون واعتصامات الشباب المُعطّل يوميا أمام الوزارات وفي الساحات لا يُمكن أن يُسقط شعار "ما نيش مسامح".
الواقع لا يتغيّر بالمراسيم والأوامر والقرارات... بل يتغيّر بالفعل المبني والممارسة الواعية ومحبة تونس.
ولذا من الضروري لمن يروم مُضاددة الفاسدين والمُفسدين تحيين شعارات الثمانينات وتعويضها بشعارات تتواءم مع السياقات الحالية للمشهد السياسي المحلّي والكوني... فقبة المجلس اليوم ليست حجرة سقراط متاع الثمانينات وشارع بورقيبة ليس بهو كلية الحقوق أثناء حقبة هيمنة الترتسكية والبلشفية واللينينية على الممارسة الأكاديمية والجامعية في تونس... وساحة باردو ليست ساحة كلية منوبة متاع 1981-1982.
سُحقا سُحقا للرجعية خونة وانتهازية ....