ويذهب بعض المُدوّنين إلى حدّ تحميل هذه القناة مسؤولية الفساد "الأخلاقي" المُتفشّي في المُجتمع التونسي، وإلى اعتبار أنّ بعض الظواهر الاجتماعية كالأمهات العازبات والإنجاب خارج إطار الزواج، ناتجة عن برامج تبثّها هذه القناة، حيث أنّ المواضيع التي تطرحها برامج "عندي ما نقلّك" و"المسامح كريم" و"لاباس" ساهمت في التطبيع مع ظواهر وسلوكات مرفوضة اجتماعيا، وأنّ برنامج لمن "يجرؤ فقط" ساهم في تحويل المشهد السياسي إلى مجال للتكابش والتناطح والتسرديك.
لا أحد يُنكر دور الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في صناعة منظومة القيم وفي تحديد وُجهة المُجتمع وخاصة في عملية التأثير في الرأي العام، ولا أحد كذلك يُشكّك في أنّ المُقاطعة مُمارسة مواطنية تعكس منسوب الوعي والقدرة على المُقاومة، لكن حين تنجح حملة #مقاطع# وفي المقابل تفشل حملة #اكبس# وحين تحظى حملة #مقاطع# بهذا الاهتمام وتدخلّ حملة # وينو البترول# من الباب وتخرج من الخوخة… ألا يحقّ لنا أن نتساءل عن طبيعة هذا الوعي المواطني؟ وحين لا يُنتج هذا الوعي مُقاربة مؤسّسة وممارسة مُستمرّة لمُقاومة جميع أشكال "الفساد" والتصدّي لـ"الفاسدين" و"المُفسدين" و"المُجرمين" و"السرّاق" ألا يجوز أن نضع نقطة استفهام حول خلفية حملة # مقاطع# وحول من يعمل على إنجاحها ومن عمل على إفشال بقية الحملات؟
من اللاّجدوى أن يُثار الجدل حول نوايا أصحاب المُبادرة لأنّهم عُرفوا بأنّهم "أصحاب قضية" ووجهة نظرهم لها دعائمها ومُبرّراتها، ومن الجحود عدم الاعتراف برمزية "الممارسة" لأنها في سياقات مُغايرة لسياقات المرحلة التي تمرّ بها البلاد، قد تُعتبر شكلا راقيا من أشكال "المُقاومة" وآلية مُميّزة للضغط والتصويب… لكن والبلاد تعيش منذ أكثر من خمس سنوات على إيقاعات عزف المُضادين لثورة الكرامة والحرية والعدالة، والعباد ينامون ويصحون على سنفونية "المصالحة"، وبعض الثوّار باتوا يدعمون مقولة أنّ "المصلحة الوطنية" تكمن في عودة الأزلام والفاسدين، ويوميا نعاين تقنين الفساد من طرف البرلمان والهيئات الدستورية التي يُفترض أنّها بُعثت لمُحاسبة الفاسدين وإرجاع الحقوق لأصحابها، وجميعنا لازال يبحث عن الماء الصالح للشراب ليبلع أوراق بناما، وأغلبنا غصّ بملفّات الفساد واختنق بمماطلة تفعيل العفو التشريعي، كما ظهر داخل قوى الثورة من يُمارس الصمت المُفيد silence utile تحت طائلة "المصلحة الحزبية" ويُقدّم المُبرّرات الحكيمة للتصفيق لــ "الشيخين" ويبحث في قاموس السياسة على البراهين والحجج لدعم منهج "التوافق" المغشوش…الخ. أمام هذا الواقع هل يصحّ أن نتحدّث عن فعل المُقاومة ونحن نُقاطع قناة "تلفزية" تُمثّل إحدى "حوانيت" بيع الفساد بالقطعة ونحن نتحرّك داخل سوق مفتوحة على جميع الواجهات الداخلية والخارجية لتسويق الفساد وتتجوّل بداخلها جميع السلع المضروبة والمنتوجات المضرّة بثقافة المُجتمع؟ أليس الإعلام شجرة تُغطّي غابة يتصارع بين أدغالها تماسيح وديناصورات ووحوش مُفترسة؟ وحين نغطّي الشجرة أو حتى نقوم باقتلاعها هل يعني هذا أنّ الشعب العميق انتصر على الفساد العميق؟
أظنّ أنّ الإعلام التونسي (إعلام العار أو إعلام الغباء المُركّب) إن نجح في شيء فقد نجح في تفتيت القضايا وتشتيت انتباه أصحابها، ما أنّ المخابر التي تشتغل منذ الثورة على طرائق مُضاددة تيّار "المُقاومة" وكسر شوكة "قوى الثورة" نجحت واقعيا في اكتشاف الفيروس المُناسب، كما أنّها توفّقت إلى اختراع المحاضن المناسبة لتفريخ هذه الفيروسات وتوفير البيئة الموالمة لتكاثرها وتناثرها.
حين يجتمع المال الفاسد مع إعلام المُرتزقة وجمعيات سوق بو منديل وأحزاب الجيش الإنكشاري وجمهور فيراج الدربيات… يكون المنتوج "الوعي الزائف" وحين يتكاثر "الزيف" تكون المُخرجات واهمة والنتائج مُضلّلة والسلع مُنتهية صلوحيتها.