في مرحلة ما بعد "التوافقات" و"التحالفات" بين "القديمة - الجديدة" و"الجديدة- القديمة"... ومع إعادة رسكلة التجمّع وتبييض الفسّاد القدم... لم يعد الفرز على قاعدة "تجمّعي" و"خوانجي" أو "موالاة" و"مُعارضة" أو "دستوري" و"يساري" ... فقد تغيرت موازين القوى داخل المشهد السياسي وبالتالي تغيرت معايير التصنيف.....
وبما انّ العقل السياسي التونسي يشتغل بباراديغم "مع/ضدّ" وبمُقاربة تعتمد تصنيف ثنائي للفاعلين وتستعمل معايير تقييم مصنوعة في ماكينات الأحزاب حسب ما يطلبه السوق من سلع... فإنّ المشهد اكتظّ بالثنائيات (يمين/يسار، حداثي/رجعي، كافر/مُسلم، ثوري/مضاد، فاسد/نظيف)…
في المدة الأخيرة أصبح كلّ شخص يفكّر بشكل مُستقل عن إملاءات القادة والزعماء وكلّ مُنتج للمعنى خارج ماكينات الأحزاب وكلّ من يمتلك عقل نقدي وقلم يشرّح ويفتّق ويرتق وكلّ من له صوت مُرتفع ورأي مُختلف على المُتداول من الآراء والانطباعات والتصورات الجماعية والأجندات الحزبية ... يكون هدف لسهام قنّاصة الحروب الواهمة.
تجمّعي وبوليس وفاسد وصبّاب وقوّاد وغبيّ ومُسطّح (حاشاكم) لم تعد سمات تحشّم ولا تُحرج ولا تقلّك... بل أصبحت مُشترك حوله توافقات وتأسست حوله منظومة قيم يُدافع عنها الحلفاء والمتوافقون بغطاء الإكراهات والتكتيك وبُعد النظر والمصلحة الوطنية والحكمة والحوكمة الرشيدة... وأصبحت رأس مال يُخاض به معارك التموقعات.
في سياقاتنا الجديدة المحلية والإقليمية وفي ظلّ الانشطار الطائفي والتذرّر المذهبي والإسهال السياسوي والاختراقات الاستخباراتية والتفنّن في صنع الفتن وهيمنة المال السياسي وسهولة التجنيد والتجييش وكثرة "البهامة"... تحوّلت صفة موووومانع، ومووووقاوم، ومُتشيّع .... هي آلية القنص.
وكلّ من يخرج عن السرب ويبدأ يشكّل في رأي عام "يفكّر" و"يناقش" ويطرح "الأسئلة" وينقد ممارسات القادة والزعماء ويُعبّر عن عدم رضاه... تُصوّب نحوه سهام التشيع ويُرمى بحبّات الفستق ويُتّهم بالولاء لنصر الله ويُلبسوه العمامة ويُخرجوه من الملّة.... ويُصبح ذكر اسم حسن نصر الله يعني مُباركة البراميل المُتفجرة والوقوف مع بشّار... والتذكير بذكرى حرب تموز خيانة لأطفال سوريا ونسائها... والحديث عن معركة أبا ذر ومُعاوية خروج عن أهل السنة والحديث عن ضُعف شخصية عثمان ابن عفّان شتم للصحابة... ونقد العقل الذكوري لعمر ابن الخطاب كبيرة من الكبائر... والانحياز إلى عائشة في معركتها مع علي بن أبي طالب تشكيك في طهارة آل البيت....
*****
هكذا تُبنى مشروعيات هيمنة أصحاب اللاّ-فكرة ... باستراتيجيات التشويه والتخوين والقنص لتذليل الفوارق وطمس الهوّة بين الذين يُفكّرون فيُنتجون المعنى ويصنعون الوعي المواطني ويؤسّسون لمناقشات عميقة من أجل غدٍ أفضل ... والذين لا يُفكّرون فيعيدون إنتاج "التجمّع" بميليشياته ولجان يقظته ومنظاره وإعلام عبد الوهاب عبد الله ولجان تفكير عياض الوذرني ونُخبه المُتسلّقة والمُنافقة...
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10).