رسالة مفتوحة إلى من؟... إلى الزرّاع !!!!!!!

Photo

بدأت بتحرير هذه الرسالة المفتوحة... ووقف حماري عند خانة المُرسل إليه. من هو المسئول المعني بهذه الرسالة؟ في البداية كانت الوُجهة وزيرة المرأة والطفولة، فهي المسئولة أمام الشعب وأمام الحكومة وأمام التاريخ على شأن النساء والأطفال والمُسنّين، وجميع هؤلاء يرجعون لها بالنظر. لكنّني تراجعت تذكّرت أنّ المسكينة أرهقها شأن الروضات القرآنية وبذلت ما في وسعها حتى تُنقّي مجال التنشئة الاجتماعية من لوثة المُنقّبات وتطهّره من دنس المُحجّبات... فلماذا لا تحمدون الله على نعمة "النمط"؟

إذن أرسلها للسيد وزير التربية أليس هو المعني بإشكاليات التسرّب المدرسي والانقطاع المُبكّر عن التعليم؟ قالت لي نفسي الأمّارة بالخير لا !!! المسكين ألا يكفيه ما يتكبّده من عناء الركض من بلاتو إلى بلاتو لإدارة الحوار بين المُعلّمين والأساتذة والنقابة والأولياء؟ "بالله وين تحبّوه يشبّ"؟ الرجل يخدم من طلوع الليل إلى هبوط القمر، وربي يكون في عونه حتى يتوفّق إلى حسن إدارة سولد 2016، السنة الفارطة كانت المُعادلة تنجح في ثلاثي تأخذ اثنين بلاش، وهذه السنة أظنّ أنّ المعادلة صعبة لأنّ النقابة تمثّل إحدى أهمّ المُتغيرات.

وفجأة وسوس لي شيطان الصديق نور الدين العلوي ونصحني (والنصيحة من الدين) بأن أرسلها لنوّاب الشعب فهم المُخوّلون شرعا وقانونا (حسب قيم الأنوار) للدفاع عن ناخبيهم من "أولاد الحفيانة" أبناء الشعب العميق. طلع لي من الشبّاك "القطّوس الأشخم" قائلا "لا !!!!! اتركوهم وشأنهم ألا يكفيهم عناء الفتق والرتق؟ أليس في قلوبكم رحمة؟ نوّاب الشعب يوميا يخوضون حربا ضروسا ضدّ المُطبّعين، وأمامهم ملفّات متراكمة لشهداء وجرحى الثورة، ولديهم صولات وجولات في الحرب ضدّ الإرهاب وضدّ التهميش، ويقودون حراكا اجتماعيا حادّا من أجل حلّ مشاكل البطالة وعمّال المُناوبة والعمالة الهشّة... إييييه مساكن بالله عليكم خلّوهم غاطسين في الملفّات الحارقة والقضايا المصيرية".

إذن ما العمل؟ لم يبق أمامي إلاّ حمّه الهمّامي أليس هو زعيم حركة "قفّة خالتي مباركة" والأب الشرعي لـــ "البروليتاريا" ونصير "الكادحين"؟ للأسف بحثت عن عنوانه قالوا لي "ليس له عنوان" فقط لديه صندوق بريد في مكتب راضية النصراوي، وهو يمرّ مرّة كلّ شهر ليردّ على الرسائل التي لم تنتبه إليها السكرتيرة.

في الأخير قفز لي شيطان نور الدين العلوي ليجلس كالعادة فوق الحاسوب ويشير لي في الاتجاه المُعاكس للمرآة. التفتّ فوجدته يشير إلى جريدة الزرّاع، نعم ألم يقولوا أنّهم يُدافعون عن قيم الكرامة والحرية والعدالة الإجتماعية؟ أليس ذاك الذي يُدعى سعيد الجندوبي هو أحد الغفّاريين؟ أليست تلك المناضلة الرقيقة ليلى بلحاج عمر هي إحدى المُدافعات على المُعذّبين في الأرض؟ ألم ينحت نور الدين العلوي مُصطلح "أولاد الحفيانة" ليُشير لأبناء تونس القادمين من الآفاق؟ ألم يخض مصدّق الجليدي معركة إصلاح المنظومة التربوية وركب الصعاب من أجل إنجاز الكتاب الأبيض؟ ألست أنا من وضع السمات الجوهرية لـ"الشعب العميق"؟ ألسنا نحن من رفع شعار "تفاؤل الإرادة" في مُقابل شعارات "تشاؤم العقل" و"بؤس الحكمة"؟ أليست قيم "الكرامة" و"الرُجلة" هي أهمّ مُحرّكات الفعل ودوافعه؟

سادتي الزرّاع،

اليوم الجمعة 15 جانفي 2016 على الساعة الواحدة ظهرا، حيث كانت المآذن تُعلن حلول موعد صلاة الجمعة والجموع تُهرول نحو "الميضات" والصحون تعجّ بالمُصلّين والأنهج غمرها سيل سيارات آمين الجوامع والشوارع عمّتها فوضى الذروة... وبعد انتظار طويل أَخذت الميترو الخفيف من محطّة السعيدية بجهة باردو في اتجاه برشلونة، في محطّة 20 مارس توقّف الميترو ليقلّ الركّاب وأغلبهم "مرسكيين" لأننا في منتصف الشهر والشهرية بحححح... رأيت طفلتين نعم طفلتين، الأولى سنّها لا يتجاوز الثامنة والثانية لعلّها في العاشرة تزيد أو تنقص قليلا. كِلاَ البنتين في حالة يُرثى لها: ملابس رثّة ورائحة كريهة وشعر أشعث ووجه أغبر وملامح بائسة ونظرة حادة وحاقدة. بيد كلّ واحدة مجموعة من المطبوعات وحين استقرّتا داخل العربة أخذتا في التجوّل بين المقاعد باسطات أياديهما الصغيرة نحو الركّاب، الأصابع النحيفة لليد اليمنى تُمسك مطبوعة واليد الثانية تمتدّ مُرتعشة للسؤال والطلب. للوهلة الأولى ظننت أنّهما سوريتان حيث جالت بخاطري تلك الصور التي أشاهدها يوميا على المواقع الإلكترونية والتي تقصّ علينا مأساة شعب أراد فالتفّ حوله الذئاب وأذاقوه طعم الجوع وسقوه الوجع والألم فشرب الكأس حتى الثمالة.

للأسف اللّهجة تونسية والهوية "أولاد الحفيانة" والانتماء لـــ"الشعب العميق". فماذا نحن فاعلون أيها الزرّاع؟

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات