البلاد هي البلاد (أرضها وسماها وبحرها وثرواتها...) والحكّام العرب بشكل عام لن يتغيروا يشتغلوا بالإملاءات ولا تهمّهم غير مصالحهم الشخصية والعائلية والسياسيين أغلبهم مرهونين لأجندات خارجية وطول عمرهم يتعاركوا على كعكة السلطة…
الشعوب هي التي تفرض التحوّلات نحو الأفضل أو نحو الأسوأ... بعض التغيير يأتي عبر ضغط الشارع والفايسبوك تحوّل إلى شارع افتراضي يضغط على صنّاع القرار وأحيانا يجعلهم يغيّرون قراراتهم ويعدّلون مواقفهم... لكن الجزء الأكبر من التحوّلات يفرضها الوعي المواطني الذي يُعطي للفعل بوصلة…
الوعي لا تعكسه كثرة التنبير ولا الكمّ الهائل من التحاليل السياسية ولا حدّة النقاش ولا التجرّؤ على الآخر المُختلف... وإنّما يعكسه جدوى الفعل ونجاعته...
الفعل هو ممارسات ومواقف وكتابات وتحاليل ومناقشات وهو أيضا كلّ هذا مَعيشا وهو كذلك مجموعة سلوكات يومية.... ونجاعة الفعل تعكسها الإستطاعة على التأثير في منظومة القيم... يعني القدرة على الإنتقال من منظومة قيم قديمة إلى منظومة قيم مُغايرة مُتناسقة مع السياقات الجديدة…
الثورة تعثّرت لأنّ السياسي طغى على الثقافي والبراغماتية خنقت المبدئية والأخلاق أصبحت قلّة فهم للواقع وأعطينا للفساد مُبرّرات وصفّقنا لقلّة الحياء وباركنا التزوير وجعلنا النفاق تكتيكا وتسامحنا مع القتلة والمجرمين بتعلّة الإكراهات وتذلّلنا للأنذال وتكبّرنا على الرجال... *** المسار انحرف لأنّ أصحاب الثورة لم تكن لديهم بوصلة (النخب تعوّدت على الإبتزاز وتحيّن الفرص للإنقضاض على الإمتيازات) ولم يكن لديها وقت لتقود الغيير....
باختصار التحوّلات جاءت هجينة لأنّ الفعل لم يُنتج قيماً مُتناسقة مع المعاني التي تضمنتها ثورة الكرامة....
الإستحقاقات التي طالب بها ثوّار 17-14 (الكرامة والحرية والشغل... ) ابتلعتها "القديمة" وقزّمتها واختصرتها في "انتقال ديمقراطي" و"انتخابات" وهيئات دستورية تشتغل بالتوجيهات ... وأصبح أكبر همّنا شكون يُحكم والحكومة وقتاش ماشية وشكون باش يكون وزير وشكون باش يشدّ بلدية تونس.... وعلاش الضوء قصّ ووقتاش يرجع الماء…
منذ يومين وأنا أتابع سجالات المُدوّنين حول تنظّف ما تنظّفشي/ علاش يغسل في الحيط بدبوسة ماء/ بن غربية علاش استقال؟ واحد يزيد الماء والآخر يزيد الدقيق.... معارك ضروس حول اللاّ-شيء نعم اللاّ-شيء لأنّ الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض...
والشيء الوحيد الذي ينفع الناس هو صناعة بوصلة تُوجّه فعلهم نحو تحقيق "إنسانيتهم" ولا "إنسان" دون تعدّد الخيارات وحرية الإختيار وتحمّل مسؤولية الفكرة الحرّة.... لا "إنسان" دون فكرة حرّة... والفكرة الحرة يلزمها لوجيسيال جديد.