منذ مدّة حضرت ملتقى علمي حول معايير تقييم البحث الجامعي... أستاذة جامعية قدّمت مُداخلة (مُرافعة على رأي أحد الحاضرين) حول التأطير في الجامعة التونسية: مُقاربة جندرية، عالجت (حسب زعمها) مسألة التمييز الذكوري في عملية تأطير الطالبات وتعرّضت لمسألة التحرّش الجنسي والإبتزاز الذكوري الذي تتعرّض له الطالبات من طرف أساتذتهنّ.
ومن بين ما تعرّضت له الأستاذة مسألة تهمّني حيث قالت أنّ الأساتذة المؤهّلين للقيام بعملية التأطير لمّا تكون الطالبة مُتزوّجة يتهرّبون منها ولا يقبولون بالإشراف على بحثها لأنّ (حسب قول الأستاذة) في ثقافة الأستاذ دورها "تنفيض الغبرة" … وفي كلّ مرّة تكون لديهم حصّة للتأطير يكون أول سؤال يطرحه عليها "نفّضت الغبرة مليح هههه".
طبعا الأستاذة معروفة بانتماءها للنمط الحداثي الذي يحتكر عقلانية ديكارت ومنهج دوركاهيم وأدوات تحليل بيار بورديو ومُفردات سيمون دي بوفوار… وفي ذات الوقت هي تنتمي لجيل التعدّد النظري واللغوي والمنهجي. وكذلك يُفترض أن تكون قد كيّفت معارفها مع جيل الباراديغمات الجديدة للعلوم الإجتماعية والإنسانية.
لكنها للأسف….
شكلا: في عرضها لم تتبع أنموذج أسلوبي مخصوص ولا بنية معينة لطرح البراهين … أيضا هي لم تتوخّى الأسلوب الأدبي الذي له أدواته وقواعده. فقط خطاب مشحون وشعارات فضفاضة وحماس مُبالغ فيه.
مضمونا: عمّمت مسألة التحرّش في االجامعة وجعلت منه ظاهرة فأشكلتها وبنت عليها نتائج دون فرضيات ولا تحليل ولا براهين.
ما فهمته (وقد أكون جانبت الصواب) المُفيد في كلّ محفل "علمي" او نشاط "مدني" يقع اقحام مصطلح "الجندر" والتحليل بـ"النوع الإجتماعي" الذي أصبح fonds de commerce وماعون خدمة واختصاص يُشرعن وجود أمثال هذه الأستاذة في جميع فصول مسرحية مُجتمع المعرفة وتمكين النساء و"جندرة قضايا المجتمع" ودمقرطة "المجتمع المدني".
عن نفسي (مُتزوّجة وكبيرة ومُتحجّبة وعدت للدراسة بعد انقطاع) يُشرف على أطروحة الدكتوراه أستاذ يحضى بمكانة بالغة الأهمية داخل الجماعة العلمية في تونس وفي الوطن العربي ولديه مشاغل كثيرة محلّيا وإقليميا وله مُشاركات علمية وبحثية ويُشرف على ترجمة المجلّة الدولية لعلم الاجتماع ويكتب في الشأن العام… ومع ذلك ممارسته للتأطير وطريقة تعامله مع طلبته لا ينطبق عليها التصنيف الجندري الذي نمذجته الأستاذة. بالعكس فهو إلى جانب دور التأطير يقدّم الوقت والعلم والدعم المعنوي والتشجيع وخاصة يمنح الثقة في النفس … وأمثاله كُثر.
نعم موجود التحرّش الجنسي في الجامعة والتمييز الذكوري موجود في جميع مؤسّسات المجتمع وفي الإتجاهين لكن الشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه… والتعميم دون برهنة يجعل الباحث يُجانب الموضوعية.