الهيمنة الذكورية وإذلال الذات البشرية على طاولة سوق "الحوت"

Photo

حين مرّت أمامي صورة الفتاة المعروضة على طاولة سوق الحوت بالفضاء التجاري GEANT لم أكن لأصدّق أنّنا في تونس في زمن ثورة الكرامة. أصابني الذهول وفقدت القدرة على القراءة والفهم والتأويل. المشهد يعكس خضوعا أنثويا وعنفا رمزيا وارتفاعا مُذهلا في منسوب اللاّكرامة والإذلال للذات البشرية. لم أصدّق أنّ المرأة التي تدّعي أنّ بورقيبة حرّر جسدها من "السفساري" وخلع عن وجهها "الخامة" استعاضتهما بلباس الذلّ والمهانة. المرأة التونسية التي كان صوتها حاسما في معركة "ننتصر أو ننتصر" و"تحيا تونس" والتي جعلت الشعب برمّته يحمل وزر "الفوت أوتيل" ليست سوى جسد يُفرش على طاولة في سوق "الحوت" ومُجرّد صنّارة لاقتناص مُستهلكي السلع الرخيصة والحوت النتن.

كنت أنتظر أن ترتفع أصوات مناضلي ومناضلات الجندر والنوع الاجتماعي مُندّدة ومُستنكرة، كنت أبحث عن تعليق أو تغريدة تُشهّر بهذه الممارسة المُهينة التي تعاملت مع جسد المرأة باعتباره سلعة تُعرض في الأسواق وفي الفضاءات العامة. كنت أتوقّع أن تنتشر الدعوات المنادية بمُقاطعة فضاء "جايان" لتأديب أصحابه وتلقينهم درسا في "الشعب يريد". لكن للأسف فاجأني الصمت وأذهلني عدم الاكتراث خاصة من أولئك الذين صدّعوا رؤوسنا برفع شعارات "نساء بلادي رجال ونصف".

أين هي وزيرة المرأة؟ أم هي فقط بالمرصاد للمنقّبة والمُحجّبة وللروضات القرآنية؟

أين هي الأستاذة أمال قرامي صاحبة نظرية الجندر، وألفة يوسف التي تنتظر رحيلهم لتُصلح ما أفسدوه، ورجاء بن سلامة التي بحّ صوتها مُندّدة بزواج القاصرات وجهاد النكاح؟ أين جميع هؤلاء من قضايا المُجتمع ومن هموم النساء ومن استغلال رأس المال المُتوحّش لجسد المرأة وعرضه في أسواق مُلَبْرلة ومشرّعة على المجهول؟ أين هم جماعة نوبل للسلام الذين ردّدوا النشيد الوطني وقالوا لا عاش في تونس من خانها؟ أين هم نوّاب الشعب الذين يُفترض أن يكونوا مُدافعين على قيم المُجتمع وكرامة الشعب العميق؟ أين هم الحراكيين والنهضويين والجبهويين؟ أين نحن من جسد محمد البوعزيزي الذي اشتعل والتهب في لحظة اندلاق "الكرامة" على قارعة الطريق؟

كلّ يوم يزداد يقيني أنّ "نكبتنا في نُخبتنا" وأنّ المُثقّف العضوي الذي تحدّث عنه غرامشي انتهى، وأنّ المُثقّف الجماعي كما عرّفه بورديو مات، وأنّه لم يبق سوى "عرابنية" يشتغلون بالمُناولة ويتحرّكون بالتيليكوموند.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات