رحلة الحجّ إلى الجنوب

Photo

عند بوّابة مدنين تتوقّف للإحرام تبدأ تهبّط من فوق أكتافك سعيدة قرّاش وبشرى بلحاج حميدة وراضية النصراوي وأمال قرامي وألفة يوسف ورجاء بن سلامة ومحرزية العبيدي وسناء المرسني وسهام بن سدرين وسهام بادي وأمينة فيمن وسنية مبارك ... وتنحّي صندال التحزّب وترمي بهاتفك الذكي وتقصّ الكوناكسيون وتسكّر الفايسبوك وتنحّي مسّاك الخمار تحطّ كلّ شيء في شكارة وتتركها أمانة عند حارس البوابة... تلبس شلاكة بو صبع وجبّة COTON وتحط على راسك طرف كتّان وتدخل المدينة من بابها الكبير.

تمشي طووول إلى فضاء حسناء وتمدّ رجليك للحنّاء تشعر أنك في الجنّة ... في الأثناء وأنت تستنّي في دورك تسمع حكايات ألف ليلة وليلة كلّ شهرزاد ونقشتها وكلّ نقشة وحنتها وكلّ حنّة وحكايتها... ضحك وغناء ولوبان وحرقوص وكلّ شيء ياخذ وقته والناس موش مزروبة... وشهريار في الشمس يستنى وعلى القلب أحلى من العسل.

من العصر حتى الفجر صوت منبهات السيارت والفوشيك ... هذا محفل العروسة وهذا محفل العريس ... هذه جحفة وهذيكة كسوة ... في الشِعْبة نُقّيرة وفي الراقوبة سخاب وفي العرقوب طبّالة وفي الرويس سبوع وتحت الزيتونة فاتحة.

كلّ ليلة الرجال في الطبالة وإلاّ في البردة والنساء في سهرية الدرباكات وإلاّ في السخاب ... تتعدّى ساسية لابسة حولي أخضر مخطّط بالأصفر وعجار أحمر ومتبخنقة ببخنوق أبيض باش ما يشوفوش العرّاسة حليها وزينتها. وتخلط منوبية لابسة صاري أزرق وطرف أبيض مطروز باليد ودماق عالي مذهّب وحنّاء شبور. يهبّطها راجلها قدّام دار العرس ويبقى يتبّع فيها بعينيه حتى تدخل ويطمان عليها من عينين الفضوليين…

النساء تعدّي الليل ترقص على "عايروني بيك يا حمّه" وحمّه البرّا عامل كرسي ويستنّى ...

في تلك الربوع من تونس الجمال له مقاييس أخرى غير مقاييس Christian Dior ... والحياة تُصنع بمواد بسيطة وبآليات لم يبتدعها Yves Saint Laurent, Pierre Cardin, André Courrèges. والجسد الشرعي يُبنى بعيدا عن دُور الموضة وصالونات الحلاقة والتجميل ومصحّات الشفط والنفخ....

هنا بين هذه الجبال الشاهقة صحيح الضحك قليل والحياة صعيبة لكن الضحكة كيف تقرّر باش تنطلق تخرج قوية ومليانة ورنّانة لتصل إلى سابع سماء ويعود صداها إلى سابع أرض. وصحيح حفلات الأعراس لا تُقام في النزل خمسة نجوم ولا على حافة البيسين ولكن العرس عنده نُكهة بمذاق الحبّ الواعر والكسكسي بلحم البرشني.

هنا المرا ليست نوع إجتماعي وليست أنثى ولا مرا ونصف ولا علاقة لها باتفاقيات سيداو ولا بالتمكين الاجتماعي ولا يخطر على بالها أن تُطالب بالحرية الجنسية ولا بالتأنيث والتشبيب… هي فقط تحبّ تعيش… حسب النمط إلّي يريّحها وحسب القيم إلّي كبرت عليها. هي تحبّ ترقص في السهرية وتكمّل رقصتها مع حمّه…. هي تحبّ تكون حوّاء التي خُلقت لتصنع الحياة جنبا إلى جنب مع آدم.

في الجنوب الناس يُمارسون صناعة الحياة بالحنّاء والحرقوص وطبّالة غبنطن… ويتحدّون الظروف الواعرة بالحبّ والبردة.

تتذكّروا الشكارة إلّي خليتها أمانة عند حارس البوابة… وأنا في طريق العودة رميتها في واد العكاريت.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات