لنفتح صندوقا جديدا يجب أن نُغلق صندوقا قديما…

Photo

اللحظة الأولى 17-14 كانت "ثورة" كسرت شوكة هرم السلطة وأعادت التفائل إلى العقول المُتشائمة وخيبت تنبّؤ النخبة السياسية والفكرية بأن "لا خلاص من النظام المافيوزي"... وكانت مطالب الديسمبريين واضحة "شغل حرية عدالة اجتماعية" وكان العدو على مرمى حجر "عصابة السراق": الطرابلسية والتجمع ومن حام حولهم ...

القصبة2 حولت استحقاقات الثورة إلى "تأسيسي" ولجنة بن عاشور اختصرتها في "تحوّل ديمقراطي" ولجنة سمير ديلو قالت نسموها "العدالة الإنتقالية"... اختُصر المسار في تحول ديمقراطي وعدالة انتقالية. ووقعت مأسسته بصناعة دستور وإنشاء هيئات ومجلاّت منظمة للعملية الديمقراطية وللإنتقال الموعود....

وقع تهميش الشباب الذي أطلق رصاصة على رأس النظام ووقع تجاهل استحقاقات الثورة... ودخل على الخطّ الإقليمي والدُولي وانطلقت صناعة الوقائع وفبركتها للتأثير على وُجهة المسار بالمُفاوضات والمُقايضات والإغتيالات وأيضا بالعمليات الإرهابية... وأغرقت سوق السياسية بالسلع المُستوردة من أشباه المناضلين والمُحتكرين والإنتهازيين والباعة اللانظاميين وقنّاصة الفُرص من جميع الطيف السياسي...

وقع تعويم المشهد بالأحداث المُصطنعة لتشتيت انتباه المُدوّنين الذين أصبحوا وازنين في صناعة الرأي العام واشتغلت ماكينات الإعلام وماكينات الأحزاب وماكينات السفارات واستُعمل المُجتمع المدني في معارك التموقعات واختُرق المُجتمع من رأسه إلى ساسه.

اليوم ونحن نترنّح ونمشي بخطوات بطيئة نحو تحقيق "العدالة الإنتقالية" لفضح المُجرمين وإعادة الإعتبار لضحاياهم وإعلاء صوت العدالة وإعطاء الكلمة للذاكرة الشعبية من أجل غلق "الصُندوق الأسود" لدولة ما بعد إستعمارية أجرمت في حقّ مواطنيها ومارست مُختلف أشكال القمع والإرهاب والتنكيل ضدّ مُعارضيها...

دولة مارست مُختلف أشكال التسلّط لفرض نمطها المُجتمعي فهيمنت على جميع مجالات الحياة: الديني والسياسي والإقتصادي والمعرفي والقانوني... كلّ السلط كانت باركة عليها الدولة وتُسيرها حسب تصورات نُخبتها ومن يقف أمامها أو يُعارض خياراتها تدوسه. دولة أنتجت نظاما: مُجتمعا هجينا واقتصادا عليلا وممارسة سياسية مريضة ومنظومة أمنية "بوليسة"...

هذا النظام كان قائما على "أفراد" و"مجموعات" هندسوا ونفّذوا وباركوا. هؤلاء المُقاولين الذين شاركوا في بناء النظام (مُهندسين كانوا أم مُنفذين أو مُباركين) يجب أن يُحاسبوا (موش بالضرورة يتعاقبوا) حتى يكونوا عبرة لمن تُخوّل له نفسه الإنخراط من جديد في إعادة إنتاج ممارسات "الدولة المارقة"...

يجب أن يبلغ مسار "العدالة الإنتقالية" مُنتهاه ويُحقق أهدافه المُعلنة وإلاّ سنكون كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات