اليوم وأنا في القطار طفل عمره تقريبا 12 سنة يبيع "الموشوار"... فجأة الطفل تلطخ وجاء على وجهه أنا نحسابه مات ... هرول نحوه الشباب وعطوه يشرب وغسلوا له وجهه كان مرعوب منهم ويضع يديه على رأسه وعينيه مقلوبة ويرعش بكلّه.
في أول محطة هبط وجاء على السلالم وجلس ووضع رأسه بين يديه وأظنه استسلم لبكاء لن ينتهي أبدا.
كنت باش نهبط ونشوف حكايته لكن امرأة بجنبي قالت لي "لوّح عليك بالك فمّة شكون يتبّع فيه ظاهر مضغوط عليه... هذه خدمة الحاكم لوّح عليك خير".
في تلك اللحظة جاء قدّامي برهان بسيس وصلاح الدين الجورشي والمهدي بن غربية وهم يتمجلغوا بلوبانة القانون والدولة وعلاقة الحقّ بالقانون... وجاء أمامي المنصف المرزوقي وهو يتنطّط ويحكي خارج السياق إلّي حشر نفسه فيه... جاء قدّامي الغنوشي واستراتيجية التوافق ورهاناته على مصاصي دماء الزواولة... جاء قدّامي البوعزيزي إلّي حرق روحه لأنّ قوانين الدولة العليّة داست كرامته …
في تلك اللحظة رأيت السواد يعمّ الدنيا ولو كانت الدولة "رجلا" لقتلته"... لو كان القانون معبدا لهدمته…
في تلك اللحظة رأيت جميع وجوه "الأطفال" الذين أعرفهم في وجه ذاك الطفل... أنا لا أحتمل أن أرى دمعة في عين طفل فما بالك حين نرى "البؤس" و"الألم" و"الخوف" في عيني طفل واحد.
كفرت بدولتكم وبقوانينها وبسياسييها وبنخبها... كفرت بالدولة التي تُداس فيها الطفولة كفرت بالقوانين التي تجعلنا لا نحرّك ساكنا ونحن نرى دموع آدمي....