أيام الزمن الجميل... غسلان "الفرش" بطاطن وفرارش وزرابي وكلماوة كان عنده طقوس... كنّا نحضّر القصاع (الجفان) قبل يومين، كانت والدتي عندها قصعة كبيرة عاملتها لرحمة الوالدين وقصعة صغيرة عزيزة عليها شراتها في ولادة واحد من أخوتي الذكور كلّ عام تقزدرها هي والصينية متاع الحلو.... كنّا قبل بيوم نعبّي الماء في البرامل من ماجل جارتنا للاّ دليلة مرت الهدّار هي أيضا عاملته للسبيل وتشري أمّي الصابون الأخضر من النوع الأبيض السمح ... وتجيب سلّوم طويل وعصاة العصران من عند للاّ ناجية مرت الفتوي …
الصباح بكري تجي لللاّ محبوبة رحمها الله وبعد ما تفطر وتبدّل حوايجها تتوكّل على ربّي تطلي أجناب البطّانية ملييح بالصابون الأخضر ومن بعد تعفّسها برجليها وأحنا يكون دورنا مشاركتها في التعفيس وكيف ما يعجبهاش الحال تقول "يا رايهم الأحرار" واحنا نضحك موش فاهمين آش تقصد ونبقى طول العام نعاود "يا رايهم الأحرار كما قالت محبوبة" ...
كيف تشلّل البطانية وتتأكّد أنّ الماء نظيف ( ما عادش فيه أثر الصابون) تحط البطانية على ثنين فوق أدراج السلوم تتقابل هي وأمي وكلّ واحدة تشدّ العصا من طرف بعد ما يدخّلوها بين ثنايا الفراشية يدوّروها حتى تتعصر وما يبقى فيها حتى قطرة ماء ... ثمّ تحملها أمّي على كتفها وتطلع بها إلى السطح بعد ما تكون سيّقته ومسحت الحيوط وكان لزم تجيّرهم ... تنشر أمّي البطانية على حافة السطح وتعدّي عليها يدها بحبّ وكأنها تمسّد على واحد من أولادها وتحطّ عليها حجرات باش ما يهزّهاش الريح ...
وتقف تتأمّل المشهد وهي في قمّة السعادة.
كان مشهد السطوحات والبطاطن منشورة يعني انتهاء الشتاء وقدوم الصيف … وكانت تلك الكلماوة المخطّطة والبطاطن البيضاء المتدلية من السطوحات تعني دفئ الأمّ ومحبّتها … كلّ قالة (خطّ) من قالات الكليم صنعتها أمّي من روبة قديمة ومريول ما عادش يصلح وسروال قصار على واحد من اخوتي…
تقصّها بالمقصّ خيوط خيوط وتلقيها لبعضها بالإبرة وتعملها كبّة وكيف تتعبى الشكارة يأخذها والدي للنسّاج وتُصبح كليم نتفرشوه في الصيف ونتغطّوه في ليالي الشتاء الباردة….
كلّ واحد من العائلة عنده بطّانيته … أمّي بطانيتها الكبيرة بيضاء (شراتها في عرسها) وفيها خطوط قهوية وبطانية فهمي بيضاء ومخطّطة بالأزرق وسامي بطانيته مخطّطة بني غامق وبني فاتح وأنا ونائلة فرارشنا بنيات مخطّطات بالأبيض والوردي …. كيف نبردو في الشتاء تثقّلنا أمّي بالكليم وأحيانا بجلد العلوش … كان عندنا جلود بعدد أعوام العيد الكبير.
منذ دخلت الكسالة والكوفيرتا والكوّات دارنا … ماتت للاّ محبوبة واشترت والدتي غسّالة وصدّدت القصعة وتكسّر السلّوم وما عادش نجيّرو السطح والماجل عشّش فيه الزغلام والصابون الأخضر تفقد من الدار … والكليم طيّشناه وشرينا زرابي ليبيا والدبش القديم عملناه شوالق لمسحان الغبرة … والشتاء ولّى يجيء مرة في العامين والبرد ما لقينالوش دواء.
لكن إلى يومنا هذا كيف حاجة ما تعجبناش نردّد "يا رايهم الأحرار كما قالت محبوبة".