إنها الثورة يا مولاي…

Photo

اختلف علماء الاجتماع وعلماء السياسة وحتى الفلاسفة حول طبيعة لحظة 17-14 هل نُسميها ثورة أم انتفاضة أم حراك؟ هل كانت حدثاً مُصطنعاً أم "واقعة" تحوّلت إلى حقيقة... من فعل ماذا؟ كيف ومتى ولماذا؟

طبعا كلّ واحد يجاوب حسب موقعه لحظة اندلاع الحدث... وكلّ جماعة تُصنّف الحدث حسب مصالحها... وكلّ مجموعة تقرأ الحدث وتُترجمه حسب مُعجمها السياسي والإجتماعي... وحتى القراءة تخضع للسياقات والسياقات يتحكّم فيها المحلّي والإقليمي والدُولي... وكلّ ساعة وعلمها.

لا يهمّ إن كان ما "حدث" ثورة أم انتفاضة أم حركة... لأنّ ما يهمّ هو ما بعد "الحدث".

14-17 لحظة فارقة في تاريخ تونس المُعاصر... هي لحظة القطيعة مع "الوهم" المؤسّس و"الرعب" المُقنّن.... هي لحظة المُكاشفة.

هي لحظة تعرّي تام لمنظومة مُتعفّنة... في حركة لا-إرادية قام بها البوعزيزي كشفت لنا هشاشة "الدولة" فبان تعفّن "الممارسة السياسية" وبدت "الإنتهازية" في أسوإ تمظهراتها…

هي لحظة "شفّافة" رأينا بوضوح القنّاصة بجميع أصنافهم (قنّاصة البوليس وقناصة الأحزاب السياسية وقنّاصة الفرص الضائعة)... اكتشفنا عُمق الوهم ورداءة المواقف ولا-مبدئية الخطاب السياسي يمينا ويسارا... اكتشفنا أنّ الثنيّة غالطة وما توصّلش وأنّ "المشروع" كان كذبة وأنّ المُشترك لم يكن منصّة ثابتة تقف عليها الجماعات التي تربطها منظومة قيم وتؤطّرها مرجعيات ومشاريع كُبرى…

اكتشفنا أنّ بورقيبة أسس مدرسة أنتجت عقلا سياسيا تُحرّكه "الأنا" و"النرجسية" و"تضخّم الذات"... واكتشفنا أنّ بن علي كرّس الجهل ودعم ثقافة صبعين والحق الطين التي أنتجت نُخب سياسية وفكرية "قنّاصة فُرص" و"صبّابة ماء على يدين الطرابلسية"... واكتشفنا أنّ "الطرابلسية" ممارسة وأنّ "التجمّع" عقلية وأنّ "الصبابة" يُمكن يتحوّلوا إلى "باندية" وأنّ "الأنذال" يُمكن أن يتحوّلوا إلى "مُناضلين"…
اكتشفنا أنّ "الإسلام السياسي" لم يكن يُمارس السياسة من أجل ترسيخ قيم الإسلام الكونية وإنما كان يستعمل الإسلام من أجل السلطة ولمّا وصل إلى السلطة أضاع البوصلة وبقي "يفبري" يمينا ويسارا...

واكتشفنا أنّ اليسار الذي صدّع رؤوسنا بمقولات الصراع الطبقي ودكتاتورية البروليتاريا والدين أفيون الشعوب هو في الحقيقة يأكل من قصاع شيوخ بول البعير ويجلس حول طاولات الكمبرادور ويُفاوض بدولارات حفتر ودحلان ... ويأكل الكافيار ويشرب الفوتكا ويركب سيارات رباعية الدفع ومتمترس بالبروليتاريا من أجل تحسين شروط التفاوض.

اكتشفنا أنّ "العدالة" يُمكن أن يجعلوها قنطرة وأنّ المصالحة يُمكن أن تكون مطية وأنّ التوافق يُمكن أن يكون أحيانا "الخير كلّه" وأحيانا أخرى "الشر كلّه"…

اكتشفنا أنّ "الحوار الوطني" مُقاربة تؤدّي إلى جائزة نوبل... وأنّ "التسامح" نظرية توصّل إلى السلطة وأنّ ملفّات الفساد تُستعمل لتحسين شروط التفاوض... وأنّ "العائلة" أكبر من الوطن.... وأنّ الوطن اختزلوه في "كُرسي".

ألا يكفي هذا لنتأكّد أنّ ما حدث هو "ثورة"....

رحم الله محمد البوعزيزي... حركة عفوية أنتجت حراكا بحجم "الشعب يُريد اسقاط النظام"... وسقط رأس النظام وسينكسر ظهره ويُقطع ذيله.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات