قصّة شهاب…

Photo

هي قصة 30 ألف شاب وشابة بين تلميذ وطالب كان يُفترض أن يكونوا أطباء ومهندسين ومُحاميين وأساتذة وتقنيين سامين وخبراء وإعلاميين ... كان يُفترض أن تكون لهم حياة كبقية خلق ربّي يعيشوا فيها لحظات الحبّ ولحظات الحزن ولحظات النجاح.

كان يُفترض أن يعملوا عائلات ويجيبوا أولاد ويركبوا كراهب ويسكنوا في ديار لائقة بهم ويسافروا ويحجّوا ويضحكوا ويبكوا ويحضروا جنازات أحبابهم ويودّعوا أمهاتهم ويكتبوا القصة ويقولوا الشعر ويلعبوا الكرة ويمثّلوا ويرقصوا ويساهموا في بناء الوطن .... لكن شاءت "المُواجهة" أن يدخلوا في دوامة الضياع ويعيشوا التيه ويبقوا على الهامش...

شباب من أولاد الحفيانة كانوا أمل عائلاتهم وحلم آبائهم ونوّارات تونس... شوشطتهم المنظومة وكانوا حطب لمواجهة لم يختاروا بداياتها ولا مآلاتها....

30 ألف بين سجين وفار ومتخبّي ومُنقطع عن الدراسة ومطرود من جميع المعاهد وحاصل على شهادة لكن لا أمل يُرجى للحصول على وظيفة (بن سالم رحمه الله اشتغل بيّاع معدنوس)... لأنّ المنظومة جفّفت منابعهم إلى حدّ الشياح الذي أنتج التصحّر والخراب.... فلم يعد ينبت العشب و لا تُغرّد العصافير....

شباب في عُمر الحبّ والفرح والمرح وجد نفسه "يواجه" في الحياة بلا-شيء ... دون سلاح ولا تجربة ولا دراية بتراكن الدنيا وخبايا الحياة.... شباب ذات يوم قالوا له "قطّع كرارسك لن تكون هناك دورة جوان ولا سبتمبر" إنّها "المواجهة" التي أتت على الأخضر قبل اليابس... مواجهة غير محسوبة عواقبها تقرّرت ذات لحظة غبية…

بعض الشباب هاجر (وهذا ملف أول يلزم يتحلّ) وبعضهم دخل السجن وبعضهم فقد صوابه وتاه بين الثنايا وبعضهم الآخر وجد في الإنخراط في التجمّع وفي لجان التفكير متاع الوذرني ملاذا (هذا ملف ثان)... بعضهم سلّكها بقلبان الفيستة وببعض العلاقات العائلية وبالتنكّر لأخوته أو بالإستقالة من الحركة (كما عمل مورو)....

ناس ضايعة لا قراية ولا خدمة ولا مُجتمع يرحم ولا عائلات قادرة تستوعب وتستحمل... شباب لا حول له ولا قوة... يعمل أي شيء ليُذلل الشعور بالفشل ويخنق الخوف الذي لبسه....

25 سنة من الضياع والتيه والتمرميد والترمّد ... 25 سنة من الكرّ والفرّ والقبض على الجمر... أغلب الشباب عجز على بناء حياة سوية وحتى الذي استطاع تجاوز المحنة ماديا فهو لم يتجاوز عُقدة "الفشل" ولم يُغادر مُربعات "المُواجهة" المشؤومة... التي خلّفت لديه شعورا بالعجز والإحباط واللاّ-قدرة على الفعل....

جاءت الثورة... لم يُشارك فيها المُترمّدون ولا المُتجمّرون بشكل مُباشر (أصبح لديهم فوبيا الجمر)... ولكنهم باركوا لحظاتها وهبّوا لنصرتها واعتصموا بحبلها في القصبة 1 و2... غنّوا للثورة وصفّقوا لربيعها وجلسوا تحت سقفها يحلمون بـ"المشروع" و"التمكين" يُناقشون "البدائل"... ويمنون النفس بالثأر من "تاريخ" ظلمهم والشفاء من منظومة أعاقتهم وتسببت لهم في قصور وتشوهات....

مثّلت الثورة لأغلب الشعب التونسي لحظة إرادة مُتفائلة ومثلت لهؤلاء المكلومين لحظة انعتاق وتحرر... كانت ولادة ثانية وبداية حلم جديد.... لم يتصوّروا أن وظيفتهم ستكون إعادة إنتاج سياقات "المواجهة"... ودورة أخرى من التجمّر لكن بوجع آخر…

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات