لخبطة بروتوكوليَّة وضعف إعداد ولغة خشبيَّة مدرسيَّة ترافق زيارة الرَّئيس قيس سعيِّد إلى بروكسال وصراعات التَّموقع والتَّسلُّل تشوِّش على المصالح العليا لتونس.
في غياب مدير للدِّيوان الرِّئاسي منذ "اسْتُقِيلَة" المديرة السَّابقة المثيرة للجدل، سافر رئيس ديوان وزير خارجيَّة التَّدابير الاستثنائيَّة مستشار الشُّؤون الخارجيَّة السَّيِّد معز قارة علي إلى بروكسال منذ الثُّلاثاء 15 فيفري.. وذلك في خرق للنَّواميس الدِّيبلوماسيَّة الَّتي تقتضي أن تتكفَّل مصالح الدِّيوان الرِّئاسي بالإشراف على ترتيب التَّنقلَّات الخارجيَّة لرئيس الجمهوريَّة وليس رئيس ديوان وزير الشُّؤون الخارجيَّة، وأن لا تبقى الوزارة شاغرة من الوزير ورئيس ديوانه، في غياب كاتبة الدَّولة الوهميَّة للتعاون الدُّولي "المُزبهِلَّة" صوريَّا لدى وزير الخارجيَّة وشكليًّا لدى وزير الاقتصاد والتَّخطيط وفعليًّا لدى الفوضى..
كما تتزامن المشاركة الرِّئاسيَّة في القمَّة السَّادسة المشتركة بين الاتِّحادين الأوروبي والإفريقي في سياق صراع خفي بين الوزير الجراندي ورئيس ديوانه قارة علي ومديره لشؤون أوروبا خليل التَّازركي وبين السَّفير نبيل عمَّار مستشار الشُّؤون الخارجيَّة السَّفير فوق العادة مفوَّض لجمهوريَّة التُّونسيَّة لدى مملكة بلجيكا والمندوب الدَّائم لتونس لدى الاتِّحاد الأوروبي ببروكسال..
بل تُشير خفايا الوزارة إلى رغبة وزير التَّدابير ورئيس ديوانه ومديره لشؤون أوروبا إبعاد السَّفير عمَّار الَّذي عُيِّن حديثا في 22 أكتوبر 2021، والَّذي أقعدته الإصابة (الدِّيبلوماسيَّة) بفيروس كورونا اللَّعين عن المشاركة في الوفد الرَّسمي التُّونسي للقمَّة برئاسة رئيس الجمهوريَّة.. ونشرت سفارتنا ببروكسال نبأ الاعتذار الدِّيبلوماسي للسَّفير الَّذي يعتبره الوزير ورئيس ديوانه امتدادا لتعيينات مُديرة الدِّيوان "المستقالة" والَّتي بقي منصبها شاغرا.. تتواتر الأنباء عن تعرُّض السَّفير لهرسلة وزير التَّدابير ورئيس ديوانه ورجل المهام الصَّعبة بالنِّسبة للبعض والقذرة من "التَّسريبات المريبة" وتغريدات "النَّذالة" وغيرها بالنِّسبة للبعض الآخر،
ويشارك في الوفد الرَّسمي أساسا المُلحق بالخارجيَّة المثير للجدل وليد الحجَّام الَّذي يقوم بوظائف "حوكي وحرايري" مع تعويض مُؤقَّت غير رسمي لمديرة الدِّيوان "المستقالة" وخارج نواميس الدَّولة وبدور نشر في الرَّئد الرَّسمي للجمهوريَّة..
ومن الغرابة تغييب أعضاء الدِّيوان الرِّئاسي الماسكين بالمفلات الدِّيبلوماسيَّة والاقتصاديَّة.. فقد تمَّ تغييب الوزيرة المُفوَّضة بالخارجيَّة والمكلَّفة بمهمَّة بالدِّيوان الرِّئاسي سعاد الطَّرابلسي الأعلى رتبة وتجربة وكفاءة من زميلها الملحق بالخارجيَّة الحجَّام، والَّتي تمَّ تغييبها عن كل الأنشطة الرِّئاسيَّة الخراجيَّة لرئيس الجمهوريَّة منذ غطرسة مديرة الدِّيوان المستقالة.. وكذلك تغييب الملحقة أخيرا بالدِّيوان المكلَّفة بالشُّؤون الأوروبِّيَّة مروى جبو، رغم وقوع التَّنقُّل ضمن اختصاصاتها.. وكذلك تغييب المستشار الاقتصادي حسن بالضَّياف الَّذي أشارت مصادر إعلاميَّة متطابقة داخليَّة وخارجيَّة لاستقالته منذ أواسط جانفي دون نفي أو تأكيد من قرطاج، رغم أهميَّة الملفَّات الاقتصاديَّة الَّتي ستستعرضها القمَّة والحاجة الأكيدة لتونس للدَّعم الاقتصادي والمالي..
كما تُشير الصُّور الأولى من بروكسال إلى تهوُّر كبير لمدير التَّشريفات الرِّئاسيَّة مستشار الشُّؤون الخارجيَّة نوفل هديَّة المعروف عند رئيس الجمهوريَّة بكنية "صاحب البريد" والَّذي نهر الصِّحفيِّين، بل ونهر رئيس الجمهوريَّة أصلا، وبأسلوب فج قبيح عن استجواب رئيس الجمهوريَّة في مدخل مقر القمَّة..
كما لم تتوفَّق مصالح الوزير الَّدي افتكَّت أدوار الدِّيوان الرِّئاسي في برمجة لقاءات معتبرة ذات قيمة سياسيَّة لرئيس الجمهوريَّة، وأنباء من بروكسال عن رفض بعض القادة الأوروبِّيِّين من رئاسة المُفوَّضيَّة ومن رؤساء الدُّول والحكومات الوزانة عن مقابلة رئيس الجمهوريَّة..
كما بدى رئيس الجمهوريَّة غائبا تمام عن موضوع ومحاور القمَّة، في أجوبته للصِّحفيِّين، بل بدى غارقا في أسلوبه الأستاذي وفي مراجعه المدرسيَّة، في وضع دفاعي، خالي الذِّهن تماما من أيَّة اهتمامات في علاقة بالقمَّة غير مواصلة "الحملة التَّفسيريَّة"..
ففي سؤال للصَّحافة البلجيكيَّة عن تصوُّراته وانتظاراته من القمَّة، أعاد رئيس الجمهوريَّة اسطوانة "المرحلة التَّاريخيَّة و"القمَّة التَّاريخيَّة" والأفكار الجديدة".. وعند سؤاله عن ما هي هاته الأفكار الجديدة، أجاب باستهزاء غير لائق بالفلاسفة هيجل وغرامشي "وأي من الفلاسفة الآخرين"، وبإحالة عن خلط فكري وفلسفي وقانوني معيب بين المجتمع المدني والمجتمع السِّياسي..
وعند سؤاله عن الأوضاع في تونس وتوفير فرصة له لدحض الاتِّهامات بالدِّكتاتوريَّة، أعاد رئيس الجمهوريَّة رئيس الجمهوريَّة اسطوانة الجنرال ديغول (مع فارق أنَّ الجنرال لم يكن يحكم عندما قدَّم شروطه الَّتي قبلها رئيس الجمهوريَّة والبرلمان والاستفتاء الشَّعبي ليقبل برئاسة الحكومة) وأجب بأسلوب "الحملات التَّفسيريَّة" المتكبِّر وغير المقنع مضيفا "نحن هنا لنشرح.." إلخ، إلخ، إلخ..
وعند سؤاله من صحفيَّة مغربيَّة عن العلاقات مع المملكة المغربيَّة، أشار رئيس الجمهوريَّة "أنتم أشقَّائنا"، قبل أن يتدخَّل مقصُّ "صاحب البريد" ووزير خارجيَّة التَّدابير الواقف خائفا يترقَّب خلف رئيس الجمهوريَّة يترصَّد إصلاح أيِّ خطأ في علاقة بملف الصِّراع الجزائري المغربي.. خاصَّة وأنَّ جبهة البوليزاريو (الجمهوريَّة الصَّحراويَّة) تتمتَّع بعضويَّة الاتِّحاد الإفريقي وتعمل على توظيف الشَّراكة الإفريقيَّة الأوروبِّيَّة لصالحها مدعومة بالجزائر.. وهو ما بدى رئيس الجمهوريَّة خالي الذِّهن منه تماما، تماما كما الآثار الكارثيَّة للامتناع عن التَّصويت لتمديد بعة الأمم المُتَّحدة للاستفتاء في الصَّحراء الغربيَّة وما تركه من امتعاض مغربي وإفريقي، وعربي، وإسلامي، ودولي..
من جهة الرَّأي العام البلجيكي والأوروبي، تتالت الافتتاحيَّات والمقالات النَّاقدة لما أسماه أغلبها الانحارف الاستبدادي بالسُّلطة وتعليق البرلمان وتعليق العمل بالدُّستور إلَّا ما لم يتضارب مع رغبات ونزوات القصر والتَّهجُّم الدَّائم على السَّلطة التَّشريعيَّة وحل المجلس الأعلى للقضاء..
من المُؤكَّد أنَّ عددا من القادة الأوروبِّيين والأفارقة وعلى رأسهم رئيس اتِّحادنا الإفريقي ماكي سال والرَّئيس ماكرون الرَّئيس الدَّوري للاتِّحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوَّضيَّة الأوروبِّيَّة الممثِّل السَّامي للشُّؤون الخارجيَّة ولسياسات الأمن جوزيب بورال سيحالون الاختلاء مع الرَّئيس سعيِّد لمحاولة نقل ما يختمر عند الرَّأي العام الإفريقي والاوروبي والدُّولي من مخاوف من مركزة السُّلطات وإلغاء السُّلطتين التَّشريعيََة والقضائيَّة وضمِّها لرئاسة الجمهوريَّة ومن تعليق إلغائي للدُّستور..
ومن الأكيد أيضا أنَّ غياب الإعداد الجيِّد للزِّيارة رئاسيًّا ووزاريًّا وديبلوماسيًّا، وغياب مستشاريْ الشُّؤون الدِّيبلوماسيَّة والاقتصاديَّة بالرِّئاسة واكتفاء رئيس الجمهوريَّة بمدير التَّشريفات "صاحب البريد" هديَّة وبالملحق "حوكي وحرايري" القصر وما يميِّزُ الثَّاني من قِصر نظر وقلَّة خبرة ونزوع شبه طبيعي نحو الدَّسائس وغرائز التَّموقع والتَّسلُّل، وغياب السَّفير عمَّار بسبب كورونا، ووزير خارجيَّة للتَّدابير كل همِّه البقاء في المنصب أو الإرتقاء للقصبة والثَّأر من غريمته مديرة الدِّيوان "المستقالة" والإغراق في النَّهل من مدرسة مُعلِّمه في ديبلوماسيَّة البروباغاندا عبد الوهَّاب عبد الله، والغياب الذِّهني لمحاور القمَّة ونواميس السِّياسة الخارجيَّة وتحدِّياتها وحاجيَّات تونس من ذهن رئيس الجمهوريَّة بالإضافى إلى قلَّة خبرته بالدَّولة وتصلُّبه المأثور عنه، كلُّها عناصر لا تسعاد على نجاح المشاركة التَّونسيَّة في القمَّة ولا على تعبأة الدَّعم الَّذي تحتاجه بلادنا..
كل ذلك رغم حاجة تونس للحضور الذِّهني السَّليم لرئيس الجمهوريَّة ولرئيس الدِّيبلوماسيَّة وللخبرة والكفاءة الاستشاريَّة والدّبلوماسيَّة والاستشاريَّة والوزاريَّة لتأمين أفضل مشاركة لتونس في قمَّة بروكسال وغيرها من المحطَّات الإقليميَّة والدُّوليَّة، خدمة لعقيدتنا الدِيبلوماسيَّة وإعلاء للمصالح العليا لبلادنا ولشعبنا، وبالأخص في ظل الأزمة الدُّستوريَّة والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة والماليَّة والاجتماعيَّة والدِّيبلوماسيَّة الخانقة الشَّاملة الَّتي نمرُّ بها..
وطريق النَّجاح في بروكسال وغيرها يمرُّ حتما من تونس، عبر العودة السَّريعة للدِّيمقراطيَّة وللنِّظام الدُّستوري في تونس.. ما عدى ذلك هو هرولة نحو السَّراب وهروب "زقَّفونة" ليس إلى الجنَّة، بل إلى جهنَّم إلى ما وراء المجهول، أو كما قال "الجَحْجَلُول" شاعر خيال حكيم المَعرَّة في "رسالة الغُفران"..
حفظ الله تونس من كل مكروه،