الرَّئيس المصري عبد الفتَّاح السِّيسي يهنِّئ الرَّئيس السُّوري أحمد الشَّرع بمناسبة تولِّيه مهام رئاسة الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة للفترة الانتقاليَّة، ويتمنَّى له "النَّجاح في تحقيق تطلُّعات الشَّعب السُّوري في تحقيق مزيد التَّقدُّم والازدهار"..
ما لم يفهمه الكثير تحت تأثير كرانكة السَّفسطة والتَّهريج والهذيان في تونس أنَّ زاوية النَّظر الَّتي ترى بها مصر الأوضاع في وسوريا تتداخل فيها عوامل التَّاريخ والجغرافيا والدِّين والاستراتيجيات..
فانهيار نظام البعث العربي الاشتراكي السُّوري بعد انهيار شقِّه الَّدود في العراق هديَّة من السَّماء لمصر، ومكر التَّاريخ الَّذي أنهى التَّجارب المُسمَّاة عُروبيَّة خارج المقاربة النَّاصريَّة المصرية..
وقد أنهى من جهة أخرى أكثر من نصف من خيانات خيانة البعث ونطام الأسد الأب والإبن الوراثي لمصر.. فأنهى خيانة البعث للجمهوريَّة المُتَّحدة وانسحابه منها وتفكيكها ووأد أولى تجارب الوحدة العربيَّة سنة 1961..
وأنهى وخيانة الأسد الأب وزير الدِّفاع أيَّام حرب 1967، وخيانته الموصوفة بعد انقلابه على رفاقه في حزب البعث العربي الاشتراكي السُّوري وارتقاءه سدَّة الرِّئاسة وانهياره أمام الدَّولة القائمة بالاحتلال في حرب العبور 1973 وخسارته هضبة الجولان السُّوري المحتل، في حين استعادت مصر شبه جزيرة سيناء ببطولة واستبسال تاريخي في حرب العبور 6 أكتوبر، ممَّا أَضعف الموقف العروبي الوحدوي الرِّيادي والتَّفاوضي لمصر حينها، وجعلها تنكفأ على تأمين سيادة وسلامة ترابها أوَّلا رغم الزَّخم الوحدوي لاستعادة سيناء، بسبب غياب الحليف الاستراتيجي الموثوق في الإقليم..
كما أنَّ انهيار النِّظام الطَّائفي الاستبدادي الشِّبه علماني شبه إقطاعي شبه ملكي شبه وراثي المتحالف مع إيران في بُعدها الصَّفوي الطَّائفي أعاد لمصر دورها الرِّيادي في العالمين الإسلامي والعربي بمكوِّنيه الرَّئيسيَّين الإسلامي السُّنِّي والمسيحي القبطي الأرثودوكسي ورافد التَّعدُّد والثَّراء الدِّيني والمذهبي الأخرى، وأعاد ريادة وإشعاع الأزهر الشَّريف في القاهرة والكرازة المرقسيَّة في الإسكندريَّة..
وهو ما جعل وزير الخارجيَّة د. بدر عبد العاطي وبإنارة من مؤسَّسات وأدوات الدِّيبلوماسيَّة المصريَّة العريقة يعدِّل الأوتار سريعا ويبادر بال{َّعوة لاجتماع العقبة بالأردن للجنة الاتِّصال الوزاريَّة المعنيَّة بسوريا بعد ساعات فقط من انهيار نظام "بباعش" (بعث بشار الاسد للعبث بالشام) وفرار رأسه ورئيسه المخلوع، ويلتحق بالتَّحالف العربي التُّركي الَّذي قادته المملكة العربيَّة السُّعوديَّة ودولة قطر وتركيَّة والمملكة الأردنيَّة الهاشميَّة لاحتضان الوافد السُّوري الجديد وإدماجه في المنتظمين العربي والإسلامي والمنتظم الدّولي، والتَّأقلم مع سوريا جديدة تكون قاطرة للشَّام الكبير بمكوِّناته التَّاريخيَّة الأربع سوريا ولأردن ولبنان وفلسطين، وعودة "الهلال الخصيب" لحضنه الطَّبيعي السُّنِّي الممتد بدون انقطاع من إفريقيا إلى آسيا إلى أوروبا..
وهو ما جعل الرَّئيس السِّيسي يحرص على أن يكون من أوَّل المهنئين للرَّئيس الشَّرع..
في حين لا يزال كرانكة السَّفسطة والتَّهريج والهذيان في تونس يستميتون في بثِّ سمومهم على الأثير وشاشات التلفاز وفي أقبية الغرف الخفيَّة الخلفيَّة المظلمة لإعاقة تحرُّر الموقف التُّونسي من أمنياتهم النَّرجسيَّة وتبلور موقف وطني ممَّا يجري في سوريا..
في حين أنَّ تونس لها مسؤوليَّات خاصَّة في علاقة بالوضع السُّوري، بحكم أنَّ بلادنا هي منشأ الرَّبيع العربي وبحكم أنَّنا من أولى الدَّول العربيَّة الَّتي رفضت منذ فجر الاستقلال المجيد المغامرة العروبيَّة بمختلف أشكالها النَّاصريَّة والبعثيَّة العراقيَّة والبعثيَّة السُّوريَّة والقذَّافيَّة..
وفي حين يقترب الرَّئيس الشَّرع أكثر من البورقيبيَّة التُّونسيَّة الأصيلة إبَّان الاستقلال المجيد، في الخطاب السِّياسي، وفي الواقعيَّة السِّياسيَّة، وفي رسائل الطَّمئنة لمختلف المكوِّنات الوطنيَّة، وفي سياسة المراحل، وفي أولويَّة البناء والجهاد الأكبر بعد نجاح الجهاد الأصغر، وفي الخروج من لحظة الثَّورة الدَّائمة إلى لحطة البناء الدَّائم للدَّولة، وفي السِّياسة الخارجيَّة..
على أمل أن يتحرَّر رئيس الجمهوريَّة رئيس الدَّولة من الأوهام الَّتي بثَّها في محيطه شياطين الإنس من كبار وصغار كرانكة السَّفسطة والتَّهريج والهذيان من المستكتبين السِّرِّيِّين وما بثُّوه من "صغائر" الدَّسائس في أقبية الغرف الخفيَّة الخلفيَّة المظلمة ممَّن "يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا"، وأن يتحرَّر من "مدرسة المُشاغبين" الفاشلين إيَّاها وأن يتصرَّف كرئيس للدَّولة التُّونسيَّة ويرعى عقيدتها وثوابتها وتاريخها ومصالحها ومسؤوليَّاتها وريادتها ويُعلي شأنها..