في غياب الشَّفافيَّة، وفي غياب ندوة صحفيَّة مشتركة وبلاغ مشترك، تصبح بلاغات وتغريدات الأطراف مصدرا للخبر.. خاصَّة وقد أصبحت تقنية التَّمويه والتَّناقض غير ذات جدوى منذ قمنا وغيرنا بتفكيكها في إبَّانها فأصبحت مدعاة للتَّندُّر وانتظار بلاغات الضُّيوف لفهم ما يجري وتنسيب بلاغات وزارتنا للدِّيبلوماسيَّة..
وفي انتظار بلاغ الطَّرف الأمريكي، فقد وردت في البلاغ الطَّويل لوزارة الخارجيَّة إشارات خفيَّة للنِِّقاط الَّتي تناولها النِّقاش، تحت وابل سميك من اللُّغة الخشبيَّة، سنحاول تفكيك شفرتها بعين المراقب الفاعل:
1ـ "وأكَّدت المسؤولة الأمريكية الأهميَّة الَّتي توليها الإدارة الأمريكيَّة الحاليَّة لمسائل الدِّيمقراطيَّة وحقوق الإنسان في سياستها الخارجيَّة"
(1 مُكرَّر: يعني أنَّ الإدارة الحاليَّة الدِّيمقراطيَّة أبلغت رسميًّا وزير الخارجيَّة والسُّلطات التُّونسيَّة أنَّها ليس على خطى الإدارة السَّابقة التّْرامبيَّة الشَّعبويَّة، وأنَّ اهتمامها بالدمقراطية وحقوق الإنسان لا علاقة له بما أسماهم رئيس الجمهوريَّة ب"الخونة" و"العملاء" بل بمكوِّن ثابت للسِّياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة تحت الولاية الحاليَّة.
2ـ "مثمِّنة المكتسبات التي تحقَّقت لتونس في هذا السِّياق (الدِّيمقراطي) وتطلُّع الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة إلى تواصل التَّعاون بين البلدين في هذه المجالات إضافة إلى التَّعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب."
(2 مكرَّر: يعني أنَّ العشريَّة السَّابقة تحقَّقت فيها مكاسب ديمقراطيَّة يستوجب الحقاظ عليها وتثمينها، ويعني أنَّ "التَّعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب" مرتبط بمدى تثمين المكتسبات الدِّيمقراطيَّة وتعزيزها.
3ـ "وبينت أن زيارتها اليوم إلى تونس تؤكد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتونس كشريك استراتيجي."
(3 مُكرَّر: يعني أنَّ وضع الشَّريك الاستراتيجي تستوجب مجموعة من الشُّروط، المذكورة أعلاه.
4ـ "من جهته، أكَّد السَّيِّد الوزير التزام تونس الثَّابت بالخيار الديمقراطي بما يحمله من مبادئ ذات الصِّلة بحقوق الإنسان والحرِّيَّات وتكريس العدل والمساواة بين الجميع."
(4 مكرَّر: يعني أنَّ الدَّولة التَّونسيَّة موافقة على اشتراط احترام حقوق الإنسان والدِّيمقراطيَّة كأحد الأسس للشَّراكة بين البلدين.
5ـ "وبيّن (الوزير) أنّ هذا الالتزام لا ينبع فقط من إرادة سياسية وإنَّما من إرادة الشَّعب التونسي."
(5 مكرَّر: هذا التَّأكيد يتناقض مع بعض الانفلاتات الكلاميَّة لرئيس الجمهوريَّة تحت تأثير محيطه الفوضوي الَّذي انتقد "الدِّيمقراطيَّة" و"الانتقال الدِّيمقراطي" في مواجهة تَوْتَم شعار" الشَّعب يريد"، ويبدو كلام الوزير أقرب لمجاراة الضَّيفة من اعتبار الدِّيمقراطيَّة مطلبا وإنجازا شعبيًّا تونسيًّا مكتسبا وليس منَّة من "الإرادة السِّياسيَّة. "
6ـ "وأبرز (الوزير) أنَّ:
أ ـ المنابر الإعلامية مفتوحة للجميع
ب ـ وأن حرية التعبير مضمونة
ج ـ وكذلك الشأن بالنسبة لحرية التجمع
د ـ والتنظم
ه ـ والعمل الجمعياتي.
(6 مكرَّر: فقرة انتهاكات حقوق الإنسان: صيغة سي جيم، يعني أنَّ الضَّيفة جاءت بأسلة محدَّدة عن هاته الحقوق الأساسيَّة الَّتي شدهت تصاعد نسق انتهاكها تحت سلطان التَّدابير الاسثتنائيَّة، في واقع الأحداث وفي النُّصوص ومشاريع المراسيم وكالبت بتوضيحات رسميَّة دقيقة حولها،
7ـ "واستعرض في ذات السياق المحطَّات السِّياسيَّة المقبلة وفقا لما أعلن عنه سيادة رئيس الجمهوريَّة في 13 ديسمبر 2021 :
أ ـ بما في ذلك الاستفتاء على الخيارات والإصلاحات السياسية الكبرى
ب ـ والانتخابات التشريعية التي ستنتظم في 17 ديسمبر 2022
ج ـ والتي سينبثق عنها برلمان جديد. "
(7 مكرَّر: فقرة الرُّزنامة السِياسيَّة لعودة الدِّيمقراطيَّة: يعني أنَّ "الاستشارة الالكترونيَّة هي الغائب الحاضر، وقد تكون لاقت نقدا من المبعوثة الأمريكيَّة، ويعني أنَّ الوزير لا يمكل القدرة على تأكيد تاريخ "الاستفتاء" ولا حول ماهيَّته "الدُّستوريَّة" مكتفيا بالإشارة لل"الخيارات والإصلاحات السِّياسيَّة الكبرى"،
((7 مثلَّث: ويعني أنَّ الوزير ثبَّت من حيث لا يدري بإقراره بأنَّ الانتخابات ستفضي لبرلمان جديد، بأنَّ إعلان التَّدابير الاستثنائيَّة هو تجميد فعلي للبرلمان باستعمال "الحيل الشَّرعيَّة" للتَّعليق، وهو ما سيكون له وقع في تقييم ما حصل في تونس يوم 25 جويلية في إطار التَّقرير الَّذي طالب به الكونغرس الأمريكي وألزم بها الإدارة في شخص وزير ووزارة الخارجيَّة.
8ـ "وأكَّد الوزير أن ما يروج من رغبة لرئيس الجمهورية في تجميع السلطات لا أساس له من الصحة".
(8 مكرَّر: فقرة حل المجلس الأعلى للقضاء وخرق مبدأ الفصل بين السُّلط: لغة خشبيَّة للوزير تؤكِّد أنَّ المواضيع المذكورة أعلاه كانت من ضمن المباحثات ومن ضمن عناصر القلق الأمريكي وأنَّها ستكون ضمن تقير الموقف بطلب من الكنغرس.
9ـ "الوزير: وأن الهدف من التدابير الاستثنائية التي اتخذها (رئيس الجمهوريَّة) هو تصحيح المسار الديمقراطي".
(9 مكرَّر: يعني أنَّ المباحثات تضمَّنت نقدا للتَّدابير الاستثنائيَّة من زاية مساسها بالبناء الدِّيمقراطي وتعطيلها للمؤسَّسات الدِّيمقراطيَّة المنتخبة وللدُّستور.
((9 مثلَّث: ومرَّة أخرى يؤكِّد الوزير للضَّيفة أنَّه يتلاعب بالمصطلحات، لأنَّ التَّدابير الاستثنائيَّة تتَّخذ في العالم لتعليق العمل ببعض الحقوق ولإنقاذ كين الدَّولة وتتحمَّل تعليقا لبعض جوانب الحياة الدِّيمقراطيَّة بما يضبطه القانون من شروط صارمة وزمن قصير مؤقَّت يهدف فقط لدفع الخطر الدَّاهم.
(((9 مربَّع: ومحاولة الوزيرالت"َفَيْقُه" في الدمقراطية ونسبة "التدابير الاستثنائيَّة" الَّتي هي "دكتاتوريَّة مؤقَّتة" سيكون له المفعول العكسي لكل من له ذرَّة اطِّلاع على الفقه الدُّستوري المقارن أو تجربة أو علاقة بالدِّيمقراطيَّة وحقوق الإنسان.
((((9 مُخمَّس: وقد تكون الصُّورة المصاحبة الَّتي اختارها الوزير لمرافقة بلاغه التقطت لحظة الهرطقة الوزاريَّة حول "التَّدابير الاستثنائيَّة كأداة لإنقاذ الدِّيمقراطيَّة" ودرأ شبهة "تجميع السُّلطات" بتشبيك الأصابع لتبيان عكس ما يقول وما تلاها من استغراب من النُّكتة صعبة التَّصديق.
10ـ "مبرزا (الوزير) أن الحفاظ على الديمقراطية يستوجب حمايتها من أية محاولات للحياد بها عن مسارها الصحيح أو يهدد ركائزها."
(10 مكرَّر: يعني أنَّ المحادثات تضمَّنت إشارات ل"محاولات الحياد بالدِّيمقراطيَّة التّ"ُونسيَّة عن مسارها الصَّحيح" بما "يهدِّد ركائزها"، ولا يمكن أن يجد المعارضون للتَّدابير الاستثنائيَّة أفضل من هذا التَّعبير لوصف مخاوفهم من الانحراف الجاري بالبناء وبالانتقال الدِّيمقراطي التُّونسي.. فبحيثُ، شكرا سيِّدي الوزير على تلخيص الوضعيَّة وتأكيد المخاوف.
11ـ "وتناول اللقاء كذلك -في كنف الصراحة والشفافية-عددا من المسائل المطروحة بين البلدين".
(11 مكرَّر: الصَّراحة والشَّفافيَّة: يعني أنَّ الحوار لم يكن ناعما بين الوزير والضَّيفة وأنَّها نقلت له مخاوف وقلق حكومتها في كنف الصَّراحة والشَّفافيَّة، وهي العناصر الغائبة في علاقة حكَّام التَّدابير بالشَّعب التونسي الكريم... فهل أوعز الضَّيفة المبعوثة الأمريكيَّة لوزير التَّدابير بمزيد من "الصَّراحة والشَّفافيَّة؟؟؟
12ـ "حيث أكَّدت المسؤولة الأمريكية على أهمية أن يكون المسار تشاركيا".
(12 مكرَّر: يعني أنَّ الضَّيفة وحكومتها لم تقتنع برواية "الاستشارة الإلكترونية" كآليَّة تشاركيَّة (غاب ذكر الاستشارة أصلا في بالباغ وفي خارطة رزنامة الطَّريق الرِّئاسيَّة الغامضة.
13ـ "وأن الولايات المتحدة الأمريكية التي رافقت تونس في انتقالها الديمقراطي تتطلع إلى مواصلة دعم التجربة الديمقراطية التونسية من منطلق أواصر الصداقة التي تجمع البلدين حتى تظل هذه التجربة ملهمة للجميع."
(13 مكرَّر: يعني أنَّ التَّعاون التُّونسي الأمريكي سيكون مشروطا بمدى التَّقدُّم في الملف الدِّيمقراطي وفي حل الأزمة الدُّستوريَّة والمؤسَّسيَّة والسِّياسيَّة.
((13 مثلَّث: ويعني أنَّ التَّجربة الديمقراطية التُّونسيَّة هي تجربة مُلهمة... وكم وددنا أن تصدر هاته الكلمة وهذا الوصف عن الوزير التُّونسي وليس عن الضَّيفة الأمريكيَّة.
14ـ "فقرة التَّسوُّل: "من جانبه، أبرز الوزير أن ديمقراطية صحيحة ومستدامة تستوجب أيضا سندا اقتصاديا واجتماعيا وأن تونس اليوم بصدد مواجهة تحديات متعددة الأبعاد وهي تعول على دعم شركائها بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية لرفع هذه التحديات وإنجاح تجربتها الديمقراطية التي لا تراجع عنها."
(14 مكرَّر: يعني للحصول على الدَّعم الاقتصادي والمالي أنطر ما سبق، وأنَّ الالتزام بإنجاح التَّجربة الدِّيمقراطيَّة لا تراجع عنه.
فهل سيجرأ وزير خارجيَّة حكومة الرئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة على مصارحة رئيس الجمهورية بحقيقة مهمَّة الرَّصد والتَّحقيق وتبليغ رسال الَّتي جاءت مبعوثة وزير الخارجيَّة الأمريكي لتونس؟؟؟
وهل سيجرأ الوزير، كرئيس للدِّيبلوماسيَّة، وينقل لرئيس الجمهورية ملخَّصا لما نشرته الضَّيفة على حسابها الرَّسمي لوزارتها على تويتر من تغريدات منذ حلولها ببلادنا، وتصريحاتها ومقابلاتها مع وزير داخليَّة التَّدابير ومع الهيئة العليا المستقلَّة للانتخابات ومع الأمين العام للاتِّحاد العام التُّونسي للشُّغل ومع نشطاء المجتمع المدني العاملين في محال مكافحة التِّجار بالبشر، قبل أن تلتقي رئيس ديبلوماسيَّة التَّدابير في أعقاب الزِّيارة عكس ما جرت به النَّواميس والأعراف لاستخاره العودة من إسلاماباد ولفشل سفيرته في واشنطن وإدارته المركزيَّة في استباق الزِّيارة وترتيب مواعيدها؟؟؟
وهل سيجرأ الوزير على مصارحة رئيس الجمهوريَّة بحقيقة العزلة الديبلوماسية الخانقة الَّتي تردَّت إليها تونس وبالمغالطات الَّتي يرسلها سفراء الصُّدفة من ضعيفي الكفاءة وبالكوارث الَّتي يدفع إليها مستشاروا الصُّدفة من الهُواة وبمخاطر مخطَّطات وهرطقات بعض المقرَّبين من رئيس الجمهوريَّة من "التَّنسيقيَّات الفوضويَّة" و"الهياكل التَّفسيريَّة المُؤقَّتة" ، عديمة الشَّرعيَّة والمشروعيَّة ثِنتاهُما، النَّاطقة باسمه في ملفَّات السِّياسة الدَّاخليَّة وحتَّى الخارجيَّة على سمعة تونس في الخارج وتأثيرات ذلك على الدَّولة وسياساتها في الدَّاخل؟؟؟
هل سيجرأ الوزير على أن يكون وزيرا رئيسا للدِّيبلوماسيَّة في حكومة الجمهوريَّة؟؟؟ وينقل الحقيقة كاملة لرئيس الجمهوريّة وينصحه لوجه الله ولوجه الدَّولة ولوجه شَّعب ولوجه الوطن ولوجه التَّاريخ بالكف عن الجري وراء سراب الهرولة إلى قاع بئر سحيق بغير قرار؟؟؟