في غياب الرَّئيس سعيِّد ورئيس حكومة الرَّئيس للتَّدابير الاستثنائيَّة الحشَّاني رغم أنَّ تونس من المؤسِّسين، انطلاق أشغال القمَّة التَّاسعة عشر لرؤساء دول وحكومات حركة عدم الانحياز و"قمَّة الجنوب" الثَّالثة لتحالف دول الجنوب الكبير (مجموعة 77 زائد الصِّين)، أكبر تجمُّعين عالميَّين للدُّول بعد منظَّمة الأمم المُتَّحدة، بالعاصمة الأوغنديَّة كامبالا بحضور قادة القارَّة وقادة العالم في ضيافة الرَّئيس يوواري كاغورا موزيفيني (Yoweri Kagura Museveni)، بعد أن كان تغيَّب الوزير عمَّار عن الاجتماع الوزاري، وبعد أن كان تغيَّب السَّفير لَدَب المندوب الدَّائم بالمنتظم الأممي بنيويورك (ومساعد رئيس مكتب الاتِّصال بتل أبيب سابقا) عن الاجتماع الافتتاحي لكبار المسؤولين وأوفد بدلا عنه السَّفير بالإنابة لَاغَة..
علما وأنَّ البيان الختامي يتمُّ إعداده من طرف السُّفراء (وليس نوَّابهم) وإقراره من طرف وزراء الخارجيَّة (وليس غيرهم) المجتمعين منذ يومين، ثمَّ اعتماده رسميًّا في مستوى القادة من رؤساء الدُّول والحكومات.. وهي المحطَّات الثَّلاث الَّتي تغيَّبنا عنها كُلُّها في المستوى الرَّفيع المطلوب..
ومن المعلوم من الدِّيبلوماسيَّة بالضَّرورة أنَّه "مَنْ غَابَ وغَابَ من قَبْلِه سَفِيرُه ووَزِيرُه في الوَقت والمُستوى المَعلوم تَضْعُفُ فُرَصُ تَأْثِيرِه"..
على مستوى المضمون، شبه إجماع المتداخلين في الجلسة الافتتاحيَّة من رؤساء الدُّول والحكومات على دعم الشَّعب الفلسطيني وإدانة جرائم الإبادة والقصف والحصار الإجرامي على غزَّة والدَّعوة لوقف فوري لإطلاق النَّار وإغاثة فلسطين، وإصلاح حوْكَمة منظومة التَّعاون الدُّولي ودعم المطلب الإفريقي بتخصيص مقعد دائم لقارَّتنا الإفريقية السَّمراء في مجلس الأمن الدُّولي وتعزيز التَّضامن والتَّعاون الدُّولي من أجل ازدهار مشترك ورخاء عادل للإنسانيَّة جمعاء وتعبئة الموارد لتحقيق أهداف التَّنمية..
وللتَّاريخ، وعكس ما أكَّده الرَّئيس سعيِّد في تصريح مُتلفز مُفسبك سابق باستعمال صورة خاظئة، فإنَّ تونس لم تكن حاضرة في مؤتمر التَّمهيدي بباندونغ في أفريل 1955 بسبب أنَّ بلادنا كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي الغاشم، ولكنَّنا كنَّا أعضاء مؤسِّسين حاضرين قوَّة في المؤتمر التَّأسيسي الأوَّل للحركة ببلغراد سنة 1961.. بل وأصبحت مبادئ عدم الانحياز مبادئ ثابتة راسخة في عمل الدِّيبلوماسيَّة التُّونسيَّة..
وترأَّس الوفد التُّونسي حينها الرَّئيس المؤسِّس الزَّعيم الحبيب بورقيبة، وكان أحد أبرز القادة الخمسة والعشرين الَّذين أسَّسوا حركة عدم الانحياز لتكون صوت دول الجنوب الكبير والقُطب الثَّالث، ولتكون تونس وزعيمها من بين قادة حركة عدم الانحياز..
واليوم، وبعد أكثر من ستِّين عاما من تأسيس منظَّمتنا العتيدة الَّتي تضُمُّ 120 دولة وعشرات المراقبين بين دول ومنظَّمات إقليميَّة ودوليَّة، فإنَّ الغياب لا يليق بنا..
فمن غير المعقول هذا الغياب الثُّلاثي لتونس وتخفيض مستوى التَّمثيل في المحطَّات الثَّلاث للقمَّة، في الاجتماع التَّحضيري لكبار المسؤولين من السُّفراء لدى لأمم المُتَّحدة وفي الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجيَّة وفي قمَّة رؤساء الدُّول والحكومات.. تصرُّف غير مقبول وغير مسؤول يناقض التزامات بلادنا ومسؤوليَّاتها، ويزيد في عزلة تونس، وينتقص من مكانتنا ومسؤوليَّاتنا بين الأمم..