"التهدئة" و"التدخل بالتخفيف" ومسؤوليات السلطة التنفيذية في الحفاظ على السلم الأهلي والوئام المدني…

تدابير "التهدئة" التي أعلن عنها الرئيس تبون بوقف التتبعات وإطلاق سراح عدد من الموقوفين على ذمة التحقيق، إجراءات محمودة، وإن كانت نادرة وبدت غريبة من منظور المدرسة القانونيو والفقهية الفرنسية.. ولكنها آلية سارية المفعول في المنظومة القضائية والفقهية الانجلوسكسونية "common law" قانون العموم، القانون العام، القانون العرفي، القانون المشترك، وهو خلاف "droit civil" الفرنسي (وترجمته القانون المدني، قانون نابوليون)؛ وهي تعني المدرسة الفرنسية / الانجلوسكسونية وليس فروع ومواد القانون من عام وخاص وجنائي ومدني..

وهي من إجراءات "النظام العام" التي تسمح للسلطة التنفيذية كضامنة لعلوية القانون والسلم الأهلي أن تتخذ إجراءات "تهدئة" بهدف الحفاظ على السلم الأهلي والوئام المدني، بحفظ التتبعات القضائية وتسريح المحتجزين في قضايا الحق العام، دون المساس من الحق الشخصي المكفول لعموم المتقاضين من المتداخلين في القضية إن وجدوا..

وقد لامستها تونس في عهد الأمان وفي دستور 1861 بإعطاء حق تخفيف الأحكام لرئيس الدولة.. ولا شيء يمنع فقهيا من توسيع مفهوم "التخفيف" اليوم ليشمل القضايا المنشورة..

ثم استقر الدستور (في صياغاته الثلاث دستور المجلس القومي التأسيسي غرة جوان 1958، دستور المجلس الوطني التأسيسي 27 جانفي 2014، دستور الفرد الرئيس سعيد 17 أوت 2022) والقانون والعرف على تفرد رئيس الدولة بالعفو الخاص وتفرد السلطة التشريعية بقوانين العفو العام..

ولكن روح "عهد الأمان" كانت أوسع من "العفو الخاص"، بمعنى حصر تدخل السلطة التنفيذية في جانب تنفيذ الاحكام القضائية، وبالتخفيف فقط، فلا تتدخل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الدولة في القضاء، بل تحترمه، ولا تتدخل إلا بالتخفيف في تنفيذ الأحكام.. وذلك تماهيا مع القانون والفقه الإسلامي، وهو الأقرب في روحه من القانون العام / القانون العرفي / القانون المشترك الانجلوسكسوني، وإن كان سباقا ومؤثرا في القانون المدني / قانون نابوليون في المادة المدنية ..

ولا شيء يمنعنا اليوم في تونس من العودة للحق والحق احق بأن يتبع، واعتماد آليات "التدخل بالتخفيف"، والعودة لروح التشريع في القانون الإسلامي و"كليات مقاصد التشريع" و"أمانات الحقوق الأساسية"، وهي زبدة وأرقى ما انتج الفقه الإسلامي في "عهد الأمان"، وهو "إعلاننا التونسي العربي الإسلامي لحقوق الإنسان والمواطن"، حسب تعريف المصلح الكبير والزعيم المجاهد الكبير الشيخ سيدي عبد العزيز الثعالبي رحمه الله ورضي عنه وأرضاه..

ولا شيء يمنعنا اليوم في تونس من القياس والاقتباس من القانون العام الانجلوسكسوني، لإعتماد آليات "التهدئة" للحفاظ على السلم الأهلي والوئام المدني وحفظ التتبعات القضائية وتسريح المحتجزين ظلما في القضايا المنشورة ذات الطابع السياسي وفي قضايا حرية الفكر والرأي والتعبير..

فإلى "التهدئة" وتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز اللحمة الوطنية والحفاظ على الوئام المدني والنظام العام، يرحمكم الله..

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات